للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن الأستاذ هيكل يرفض هذا لأسباب: الأول: أن أكثر هذه المعجزات لا يصدقها العقل حيث يقول "وندع الدين جانباً (!!) ونقف عند سيرة صاحبه عليه السلام فقد أضافت أكثر كتب السيرة إلى حياة النبي ما لا يصدقه العقل ولا حاجة إليه في ثبوت الرسالة" (١).الثاني: أن العلم لا يقرها ومن الواجب مراعاة جانب الدقة العلمية في تمحيصها قال "أمر ومضرة الروايات التي لا يقرها العقل والعلم قد أصبحت واضحة ملموسة فمن الحق على كل من يعرض لهذه الأمور أن يراعي جانب الدقة العلمية في تمحيصها خدمة للحق وخدمة للإسلام ولتاريخ النبي العربي، وتمهيداً لما يجلوه البحث في هذا التاريخ العظيم من حقائق تنير أمام الإنسانية سبيلها إلى حضارتها الصحيحة" (٢).الثالث: أن القرآن لم ينص عليها قال "لم يرد في كتاب الله ذكر لمعجزة أراد الله بها أن يؤمن الناس كافة على اختلاف عصورهم برسالة محمد إلا القرآن الكريم" (٣).ثم قال "أما وذلك ما يجري به كتاب الله وما يقتضيه حديث رسول الله فأي داع دعا طائفة من المسلمين فيما مضى ويدعو طائفة منهم اليوم إلى إثبات خوارق مادية للنبي العربي؟ إنما دعاهم إلى ذلك أنهم تلوا ما جاء في القرآن عن معجزات منهم سبق محمداً من الرسل فاعتقدوا أن هذا النوع من الخوارق المادية لازم لكمال الرسالة فصدقوا ما روي منها وإن لم يرد في القرآن" (٤)؟! وقال في موضع آخر "فما دام الوحي لم ينزل بها فلا جناح على من يؤمن بالله ورسوله أن يجعل ما يتصل به من أمرها محل تمحيص فما ثبت بالحجة اليقينية أخذ به، وما لم يثبت بها فله فيه رأيه، ولا تثريب عليه، فالإيمان بالله وحده لا شريك له لا يحتاج إلى معجزة، ولا يحتاج إلى أكثر من النظر في هذا الكون الذي خلقه الله والشهادة برسالة محمد .. لا تحتاج إلى معجزة غير القرآن" (٥).وقال "فقد لاحظ الذين درسوا هذه الكتب أن ما روته من أنباء الخوارق والمعجزات ومن كثير غيرها من الأنباء كان يزيد وينقص دون مسوغ إلا اختلاف الأزمان التي وضعت هذه الكتب فيها فقديمها أقل رواية للخوارق من متأخرها" (٦).

ولنا وقفة مع هيكل هنا فقد كشف لنا ناحية أخرى من نواحي تأثره برجال المدرسة العقلية الحديثة ألا وهو التقليل من شأن السنة والاحتجاج بها.

ما الذي يقصده بقوله "فصدقوا ما روي منها وإن لم يرد في القرآن" هل يقصد أنه لا يصح شيء مما ورد في السنة واستقلت ببيانه ولم يرد في القرآن!؟ إن كان يقصد هذا فالأمر أخطر وأكثر ضلالاً وانحرافاً؟! وهل يقول هذا من فقه الإسلام؟! إذن ففي أي سورة من سور القرآن ذكر عدد ركعات الصلوات الخمس وأوقاتها وفي أي سورة بيان أنصبة الزكاة المفروضة وفي أي سورة بيان وقت الصوم وفي أي سورة بيان أركان الحج وواجباته؟ إن لم يكن هذا كله مما لا يصدق لأنه لم يرد في القرآن فأي شيء من الإسلام يبقى؟!


(١) ((حياة محمد)) محمد حسين هيكل (ص ٣٤).
(٢) ((حياة محمد)) محمد حسين هيكل (ص٧٠).
(٣) ((حياة محمد)) محمد حسين هيكل (ص٧١).
(٤) ((حياة محمد)) محمد حسين هيكل (ص٧١).
(٥) ((حياة محمد)) محمد حسين هيكل (ص٧٢).
(٦) ((حياة محمد)) محمد حسين هيكل (ص٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>