للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تحدثنا عن منهج المدرسة الإصلاحية في التفسير وناقشنا هذه المسألة، وأن القول بعدم وجوب العمل بالأحاديث مخالفة الحق، مجانب لآيات القرآن والأحاديث الصحيحة. قال الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله: "وقصارى القول أن إنكار حجية السنة والادعاء بأن الإسلام هو القرآن وحده لا يقول به مسلم يعرف دين الله وأحكام شريعته تمام المعرفة، وهو يصادم الواقع، فإن أحكام الشريعة إنما ثبت أكثرها بالسنة، وما في القرآن من أحكام إنما هي مجملة وقواعد كلية في الغالب، وإلا فأين نجد في القرآن أن الصلوات خمسة، وأين نجد ركعات الصلاة ومقادير الزكاة، وتفاصيل شعائر الحج وسائر أحكام المعاملات والعبادات؟! " (١).وقال ابن حزم رحمه الله: "ولو أن امرءاً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن، لكان كافراً بإجماع الأمة، وكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن اجتمعت الأمة على كفرهم" (٢).وعندما استدل بعضهم بحديث: (إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فخذوه، وما خالف فاتركوه) (٣). وهو حديث موضوع مختلق كما بين علماء الحديث، وضعه الزنادقة بغرض إهمال الأحاديث، وقالوا: عرضنا هذا الحديث الموضوع على كتاب الله، فوجدناه مخالفاً له، لأنا وجدنا في كتاب الله: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [الحشر: ٧].وقد أجمعت الأمة، على أن الحديث الصحيح لا يخالف القرآن أبداً لأنه بيان للقرآن، وهو وحي من عند الله فلا يمكن أن يخالف القرآن وإلا فسد الدين بالمعارضة (٤).قال الشافعي رحمه الله: "إن سنة رسول الله لا تكون مخالفة لكتاب الله بحال، ولكنها مبينة، عامة وخاصة" (٥).ومن المعلوم أن معارضة السنة بالقرآن مذهب رديء تبناه أهل البدع والضلالة من المعتزلة ومن سار على منوالهم، وأما السلف رحمهم الله، فكانوا منزهين عنه، وقد رد العلماء قديماً على من عارض السنة بالقرآن، وبينوا فساد منهجه وضلاله (٦).

٢ - وقد شككوا في بعض ما في الصحيحين: قال الشيخ محمد رشيد رضا: "ودعوى وجود أحاديث موضوعة في أحاديث البخاري المسندة بالمعنى، لا يسهل على أحد إثباتها، ولكنه لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر، قد يصدق عليه بعض ما عدوه من علامات الوضع، وإن في البخاري أحاديث في أمور العادات والغرائز ليست من أصول الدين ولا فروعه ... فإذا تأملتم هذا وذاك، علمتم أنه ليست من أصول الإيمان، ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكل حديث رواه البخاري مهما يكن موضوعه ... فالعلماء الذين أنكروا صحة بعض تلك الأحاديث، لم ينكروها إلا بأدلة قامت عندهم، قد يكون بعضهاً صواباً، وبعضها خطأ، ولا يعد أحدهم طاعناً في دين الإسلام" (٧).


(١) ((السنة ومكانتها في التشريع الإسلام)) (ص ١٦٥).
(٢) ((الإحكام في أصول الأحكام)) لابن حزم، (٢/ ٧٩ – ٨٠) مطبعة السعادة بمصر.
(٣) قال يحيى بن معين كما في ((عارضة الأحوذي)) (٥/ ٣٣٢) باطل وضعه الزنادقة وقال ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم)) (٢/ ١١٩١): هذه الألفاظ لا تصح عنه صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه.
(٤) انظر: ((السنة حجيتها ومكانتها في الإسلام)) د. محمد لقمان السلفي (ص٨٠) دار البشائر الإسلامية/ ط١، بيروت/ ١٤٠٩هـ.
(٥) ((الرسالة)) للإمام الشافعي (ص ٢٢٨).
(٦) انظر: ((موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية)) الصادق الأمين/ (ص: ٧٤٣).
(٧) ((مجلة المنار)) المجلد (٢٩) (ص ١٠٤ - ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>