للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعريف الشهرستاني هذا تعريف عام يشمل أقسام الخروج، ولا يخص فرقة الخوارج، إذ الخروج على إمام المسلمين ينقسم إلى أقسام: أولا: من خرج لمنازعة في الملك، ولكنه خرج غضبا للدين، ومن أجل جور الولاة وترك عملهم بالسنة، مثل الحسين بن علي (١)، وأهل المدينة في وقعة الحرة، وزيد بن علي زين العابدين (٢).ثانيا: من خرج على ولي الأمر بتأويل سائغ (٣) يقره الكتاب والسنة، وهذا ما كان من أصحاب الجمل وصفين إذ خرجوا على علي رضي الله عنه لا معاندين مطالبين بالملك، بل لرأي رأوه واجتهاد صاروا إليه من طلب القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه (٤).ثالثا: من خرج لطلب الملك فقط، وكان القتال على الدنيا وهؤلاء هم البغاة حقا (٥).وقد جاء الوعيد والذم لهذه الطائفة المفرقة للأمة السافكة لدماء المسلمين من أجل الدنيا والملك. رابعا: من خرج على الإمام وعلى الجماعة المسلمة للدعاء إلى معتقدهم (٦)، فخروج هؤلاء نابع من مخالفة لأصول في الشريعة الاعتقادية أو العلمية (٧).والقسم الرابع هذا الخارج للدعاء إلى معتقده هو الذي وردت فيه نصوص نبوية في ذمه، والأمر بقتاله لأن خطره عظيم على الأمة المسلمة وهو أخطر أقسام الخروج السابقة، يقول ابن تيمية رحمه الله: "وقد اتفق الصحابة والعلماء بعدهم على قتال هؤلاء (٨)، فإنهم بغاة على جميع المسلمين سوى من وافقهم على مذهبهم، وهم يبدؤون المسلمين بالقتال، ولا يندفع شرهم إلا بالقتال، فكانوا أضر على المسلمين من قطاع الطريق؛ فإن أولئك مقصودهم المال، فلو أعطوه لم يقاتلوا، وإنما يتعرضون لبعض الناس، وهؤلاء يقاتلون الناس على الدين حتى يرجعوا عما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة إلى ما ابتدعه هؤلاء بتأويلهم الباطل وفهمهم الفاسد للقرآن ... وهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم ولا اليهود ولا النصارى؛ فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة" (٩).


(١) في ((فتح الباري)) (١٢/ ٢٠٦) الحسن بن علي، والصحيح أنه الحسين حيث خرج على يزيد بن معاوية وقتل بكربلاء.
(٢) اختلف العلماء في جواز هذا الخروج، فمنهم من أجاز الخروج على الإمام الجائر وعد ذلك من الجهاد، ومنهم من قال بعدم جوازه لما يترتب على هذا الخروج من المفاسد التي تربو على المصالح، وهذا هو القول الصحيح الذي تدل عليه النصوص الشرعية، وهو قول غالب أهل السنة. انظر ((الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة)) لعبدالله الدميجي (٥٠٢ - ٥١٨ – ٥٤٧).
(٣) التأويل السائغ هو الجائز الذي يقر صاحبه عليه إذا لم يكن فيه جواب. انظر ((الفتاوى)) (٢٨/ ٢٦٦، ٢٧٥).
(٤) انظر ((الفتاوى)) (٢٨/ ٢٦٦، ٢٧٥).
(٥) انظر ((فتح الباري)) (١٢/ ٢٨٦) بتصرف، شذرات الذهب في أخبار من ذهب لأبي الفلاح الحنبلي (١/ ٦٨).
(٦) انظر ((فتح الباري)) (١٢/ ٢٨٥).
(٧) انظر ((الفتاوى)) (٢٨/ ٢٦٦، ٢٧٥).
(٨) هؤلاء ((الخوارج)).
(٩) انظر ((منهاج السنة النبوية)) (٥/ ٢٤٣ – ٢٤٨) باختصار وتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>