للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما جيش فروة فقد ولوا عليهم عبد الله بن أبي الحوساء الطائي وسماه البغدادي عبد الله بن جوشا (١). وقد ثار هذا الخارجي على معاوية بعد أن أوثق أهل الكوفة صاحبهم فروة فولاه الخوارج أمرهم وكان تهديد معاوية لا يزال له رنين في آذان أهل الكوفة فقاتلوهم حتى قتلوهم هم ورئيسهم ابن أبي الحوساء في ربيع الأول أو الآخر سنة ٤١هـ (٢)، في موضع خروجهم بالنخيلة.

ثم خرج عليه حوثرة بن وداع الأسدي في برازلروز، وذلك بعد قتل ابن أبي الحوساء سنة ٤١هـ؛ حيث اجتمع الخوارج فولوه أمرهم وكان لا يشك في أن قتال علي بن أبي طالب حق، ولهذا عبد الله بن فروة حين شك في ذلك. ولما اجتمع له مائة وخمسون رجلا أتى النخيلة مكان هزيمة سلفه ابن أبي الحوساء، فانضم إليه من بقي من جنود أبي الحوساء وهم عدد قليل.

فأراد معاوية أن يضربه بأبيه فأرسله إليه وقال له: اخرج إلى ابنك فلعله يرق إذا رآك. فخرج إليه وناشده وذكره فلم يقبل منه، فأراد أن يثير فيه عطف الأبوة فقال: ألا أجيئك بابنك فلعلك إذا رأيته كرهت فراقه، فرد عليه حوثرة رد المستميت قائلا له: أنا إلى طعنة من يد كافر برمح أنقلب فيه ساعة أشوق مني إلى ابني. فيئس أبوه منه وأخبر معاوية خبره فقال له: يا أبا حوثرة عتا هذا جدا. فأرسل إليه معاوية جيشا بقيادة عبد الله بن عوف في ألفين وكان معه أبا حوثرة، وفي المعركة دعا ابنه إلى البراز فقال له حوثرة: يا أبت لك في غيري سعة. واشتد القتال وتبارز حوثرة: وعبد الله بن عوف، فطعن ابن عوف حوثرة فأراده قتيلا وقتل أصحابه إلا خمسون رجلا دخلوا الكوفة، وقد رأى ابن عوف أن قتيله حوثرة بوجهه أثر السجود فندم على قتله وقال شعرا:

قتلت أخا بني أسد سفاها ... لعمر أبي فما لقيت رشدي

قتلت مصليا محياء ليل ... طويل الحزن ذا بر وقصد

قتلت أخا تقي لا نال دنيا ... وذاك لشقوى وعثار جدي

فهب لي توبة يا رب واغفر ... لما قارفت من خطأ وعمد (٣).

ويذكر البغدادي أنه كان من المستأمنين إلى علي يوم النهروان (٤).

ويذكر ابن عبد ربه أن حوثرة الأقطع كان أول من خرج من الخوارج بعد قتل علي، والصحيح أن فروة بن نوفل، وقد قال حوثرة حين رأى تجمع أهل الكوفة عليه: " يا أعداء الله أنتم بالأمس تقاتلون معاوية لتهدوا سلطانه، واليوم تقاتلون معه لتشدوا سلطانه " وكان يرتجز في حملاته عليهم بقوله:

أحمل على هذي الجموع حوثرة ... فعن قريب ستنال المغفرة


(١) ((الفرق بين الفرق)) (ص٨٢).
(٢) ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ٤١٠).
(٣) ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ٤١٠).
(٤) ((الفرق بين الفرق)) (ص٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>