للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويذكر ابن عبد ربه أيضا أن القاتل له رجل من طيئ وأنه ندم حينما رأى أثر السجود في جبهته (١).ثم أراد الخروج عليه سنة ٤١هـ رجل من محارب يسمى معنا فصغر إلى معين بن عبد الله، كان يريد الخروج وذلك في زمن ولاية المغيرة بن شعبة، فلما علم ذلك المغيرة أرسل إليه وعنده جماعة فأخذه وحبسه وكتب في شأنه إلى معاوية، فكتب إليه معاوية أن يستشهده فإن شهد أن خلافة معاوية حق أطلقه فأحضره المغيرة وقال له: أتشهد أن معاوية خليفة وأنه أمير المؤمنين. فأجابه جواب من هانت عنده المنايا قائلا له في غير مبالاة: " أشهد أن الله عز وجل حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور ". فأمر به فقتله قبيصة الهلالي الذي لاقى فيما بعد حتفه على أيدي الخوارج الذي ائتمروا به (٢) انتقاما لقتله معنا. ثم خرج أبو مريم وهو مولى لبني الحارث بن كعب وقد أحب أن يشرك النساء معه في الخروج؛ إذ كانت معه امرأتان قطام وكحيلة، فكان يقال لهم يا أصحاب كحيلة وقطام تعبيرا لهم، وقد أراد بهذا أن يسن خروجهن فعابه أبو بلال فقال له: قد قاتل النساء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين بالشام وسأردهما، فردهما وكان بموضع يقال له بادوربا فوجه إليه المغيرة جابر البجلي فقاتله حتى قتله وانهزم أصحابه (٣). ثم خرج رجل يقال له أبو ليلى، أسود طويل الجسم، وقبل أن يعلن خروجه دخل مسجد الكوفة وأخذ بعضادتي الباب، وكان في المسجد عدة من الأشراف، ثم صاح بأعلى صوته: لا حكم إلا لله، فلم يعترض له أحد، ثم خرج وخرج معه ثلاثون رجلا من الموالي بسواد الكوفة، فبعث له المغيرة معقل ابن قيس الرياحي فقتله سنة ٤٢هـ (٤).

ثم خرج المستورد بن علفة التيمي، وكان بدء خروجهم سنة ٤٢هـ عندما بدءوا يتشاورون في ذلك، ولما جاءت سنة ٤٣هـ أعلنوا الخروج المسلح انتقاما لمصارع إخوانهم، فقد كانت الخوارج يلقى بعضهم بعضا فيذاكرون مصارع إخوتهم بالنهر، فيترحمون عليهم ويحض بعضهم بعضا على الخروج للانتقام من حكامهم الجورة الذين عطلوا الحدود واستأثروا بالفيء، فاجتمع رأيهم على ثلاثة نفر منهم لتولي قيادتهم المستورد بن علفة التيمي، ومعاذ بن جويني الطائي، وحبان بن ظبيان السلمي الذي كان منزله مكانا لا جتماعاتهم، ولكن كل واحد من هؤلاء الثلاثة دفع تولي الخلافة عن نفسه، وأخيرا اتفقوا على أن يتولاها المستورد هذا، وكانوا أربعمائة شخص ونادوه بأمير المؤمنين، وكان المستورد ناسكا كثير الصلاة وله آداب وحكم مأثورة، واتفق على أن يكون الخروج غرة شعبان سنة ٤٣هـ.

ولما علم بذلك المغيرة بن شعبة أرسل مدير شرطته قبيصة بن الدمون إلى مكان اجتماعهم وهو منزل حيان كما تقدم، فأخذوهم وجاءوا بهم إلى المغيرة فأودعهم السجن بعد استجوابهم وإنكارهم أن يكون اجتماعهم لشيء غير مدارسة كتاب الله.

ثم خرج المستورد إلى الحيرة وصار ملجأ للخوارج فأخذوا يختلفون إليه، فلما خاف أن يفتضح أمرهم لجأ إلى دار صهره سليم بن محدوج، ولكن المغيرة بن شعبة علم بأن الخوارج قد عزموا على الخروج قريبا، فقام في الناس خطيبا فذكر لطفه بهم ومحبته لهم وأنهم سيضطرونه إلى تعديل رأيه فيهم حتى يأخذ الحليم بالسفيه، فأجابه رؤساء القبائل بأنهم مستعدون للقيام معه بمجاهدة من يخالفه ويشق عصى الطاعة.


(١) ((العقد الفريد)) (٢/ ٢١٦ - ٢١٧). وانظر: ((شرح نهج البلاغة)) (٤/ ١٣٤).
(٢) ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ٤١٢).
(٣) ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ٤١٢).
(٤) ((الكامل)) لابن الأثير (٣/ ٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>