للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" ومنها قوله: إن المجتهد المخطئ بعد الاجتهاد معذور ... فمن استحل محرماً من طريق الاجتهاد فهو معذور" (١).

والواقع أن الإمام الأشعري كان على حق عندما أدرك أنه لا يمكن وصف جميع الخوارج بأنهم نصيون أو بأنهم مؤولون، ولا يقتصر الأمر على ما ذكره من اعتبار بعض الفرق نصيين وبعضهم مؤولين مجتهدين، وإنما يتردد أمر الخوارج بين هذين الموقفين داخل الفرقة الواحدة وعلى حسب اختلاف مواقفهم من مسائل العقيدة.

ويبدوا أن الذين حكموا على الخوارج بأنهم نصيون كان- لهم ما يبرر حكمهم مما وجدوه في موقف الخوارج من بعض مسائل الخلاف، وأن الذين حكموا عليهم بأنهم متأولون للنصوص على غير تأويلها الصحيح، حاملون لها على غير محاملها- وجدوا في مواقف الخوارج من بعض مسائل العقيدة ما يبرر حكمهم هذا، وكل نظر إلى ناحية معينة.

ولو نظرنا في آرائهم واستدلالاتهم لوجدنا هاتين الظاهرتين موجودتين عند الخوارج، فمرة يقفون هذا الموقف ومرة يقفون ذاك، بل ربما أدى بهم التمسك بظاهر النص دون تأويل صحيح له ودون جمع بينه وبين غيره من النصوص، ربما أدى بهم ذلك إلى حمله على غير محمله الصحيح، وسوف يتبين لنا ذلك بوضوح بعد عرضنا لمختلف أراء الخوارج ومواقفهم، وأنهم يقفون من النصوص أحد هذين الموقفين تبعاً لما يخدم أغراضهم ويساير آراءهم.

ويبدو لي أن التأويل الذي نفاه الأستاذ أحمد أمين والشيخ أبو زهرة إنما هو التأويل الصحيح الذي يفهم فيه صاحبه النص الشرعي على ضوء الجمع بينه وبين غيره من النصوص الأخرى، وعلى ضوء مقاصد الشريعة العامة.

أما التأويل الذي يثبته للخوارج أصحاب الاتجاه الثاني فهو حمل الكلام على غير محامله الصحيحة وتفسيره تفسيراً غير دقيق، وهذا النوع من التأويل لا أظن أن أحمد أمين وأبا زهرة كانا يطلبانه من الخوارج عندما ذموهم بأنهم كانوا نصيين لا مأولين، وإنما كانا يقصدان التأويل الصحيح الذي ذكرناه من قبل.

وهذا النوع الفاسد من التأويل مذموم شرعاً وهو أساس انحراف الفرق الضالة عن جادة الصواب في آرائها وأحكامها، وهو الذي ذم الله به أقواماً تتبعوا متشابه القرآن ابتغاء تأويله، وما دخل على الفلاسفة والصوفية والمعتزلة وغيرهم من المأولين للنصوص على هذا النحو الفاسد- ما دخل عليهم خطؤهم في الرأي وفهم الشرع إلا من قبل ميلهم إلى التأويل وإخراج النص عن ظاهره وهو الأمر الذي أدى بهم إلى حمل النصوص على غير محاملها الصحيحة وتفسيرها بغير ما يصح فيها من تفسير. وقد وصف ابن القيم التأويل بأنه شر من التعطيل لأنه - كما يذكر - يتضمن التشبيه والتعطيل والتلاعب بالنصوص وإساءة الظن بها (٢).

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٢٥٨


(١) ((شرح نهج البلاغة)) (٤/ ١٣٤).
(٢) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (ص٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>