للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الطائفة الثالثة: فهم المعتدلون الذين قالوا بقول أهل السنة في إثبات القدر خيره وشره، حلوه ومره، ومن الله تعالى، وأن الله خالق كل شيء وأن الإنسان فاعل لأفعاله الاختيارية مكتسب لها محاسب عليها. وقد ذهب إلى هذا القول بعض فرق الخوارج كالإباضية، وكفرق أخرى مثل الشعيبية أصحاب شعيب الذي انفصل عن الميمونية فأثبت شعيب خلافاً لميمون خلق الله لأعمال العباد وعموم مشيئته، كما قال الأشعري ومثله البغدادي والشهرستاني في حكايتهم لاعتقاده بأنه يقول: " إن الله تعالى خالق أعمال الخلق، والعبد مكتسب لها قدرة وإدارة، مسئول عنها خيراً أو شراً، مجازى عليها ثواباً وعقاباً، ولا يكون شيء في الوجود إلا بمشيئة الله تعالى " (١).وعلة مثل هذا الاعتقاد فرقة الخلفية، أصحاب خلف، هذه الفرقة أثبتت القدر والاستطاعة والمشيئة، وقالت في هذه الثلاثة بقول أهل السنة فأضافوا القدر خيره وشره إلى الله تعالى (٢)، وكانت لهم معارك حامية مع الحمزية أتباع حمزة بن أكرك في بلاد كرمان حرباً وجدالاً.

ومثلها تماماً في الاعتقاد فرقة الخازمية كما نص على ذلك الأشعري والبغدادي والشهرستاني فقالوا: لا خالق إلا الله ولا يكون إلا ما شاء الله وإن الاستطاعة مع الفعل، وكفروا الميمونية لميلهم إلى القدرية في هذا الباب.

وممن قال بإثبات القدر وأن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى من فرق الخوارج المجهولية، كما أثبت الأشعري والشهرستاني وغيرهما من علماء الفرق عنهم ذلك الاعتقاد

أما رأي الإباضية في باب القدر فهم يؤمنون بأن الله خالق كل شيء خلق العبد وفعله، وهم يبتعدون عن مذهبي الجبرية والقدرية فيقولون: أفعالنا خلق من الله ونحن المكتسبون لها، والمجازون عليها ثواباً من الله أو عقاباً، يقول النفوسي في متن عقيدة التوحيد الإباضية:

فأفعالنا خلق من الله كلها ... ومنا اكتساب بالتحرك بالبدن (٣)

ويقول السالمي:

وبالقضاء وبالرحمن قدره ... وأنه خالق أفعالنا جللا

لكنه لا بجبر كان منه لنا ... وعلمه سابق في كل ما جهلا

وإنما الفعل مخلوق ومكتسب ... فالخلق لله والكسب لمن فعلا (٤)


(١) انظر: ((الملل والنحل)) (١/ ١٣١)، ((المقالات)) (١/ ١٧٨)، ((الفرق بين الفرق)) (ص ٩٥).
(٢) ((المقالات)) (١/ ١٧٧)، ((الملل والنحل)) (١/ ١٣٠)، الفرق (ص٩٦)، ((رسالة الدبسي)) (ص ٣٠).
(٣) ((متن النونية)) (ص ١٢).
(٤) ((غاية المراد)) (ص ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>