للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال العيزابي منهم: " الحمد لله الذي أفعالنا خلق منه وكسب منا لا جبر، ولو كانت إجباراً لم يكن عليها مدح ولا ذم، ولا ثواب ولا عقاب، ولا أمر ولا نهي، ولا كتاب ولا رسول، ولا نصب دليلاً" (١).ويقول علي يحيى معمر في كتابه (الإباضية بين الفرق الإسلامية): " يبدوا أنه لا خلاف بين الإباضية وأهل السنة في موضوع القدر" (٢).ثم قال في موضع آخر مبيناً عقيدة الإباضية في القدر وأن من اعتقادهم: " أن الإيمان لا يتم حتى يؤمن المسلم بالقدر خيره وشره أنه من الله تبارك وتعالى، وأن أفعال الإنسان خلق من الله واكتساب من الإنسان، ويبتعدون عن رأي المجبرة كما يبتعدون عن رأي من يقول الإنسان يخلق أفعاله" (٣).وهكذا في كتابه الآخر (الإباضية في موكب التاريخ)، وزاد مستدلاً على ذلك بالآيات الآتية: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: ٩٦]، أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف: ٥٤]، هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر: ٣] , اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر: ٦٢] , (٤).وقد نقل عنهم علماء الفرق هذا الرأي كالأشعري والشهرستاني (فيما يحكيه عن الكعبي) والبغدادي (٥).والاستطاعة عند جمهورهم مع الفعل وليس قبله، وهي التي يحصل بها الفعل، قال قطب الأئمة: " وأما الاستطاعة فيه عندنا مع الفعل لا قبله" (٦).ويقول الحارثي في بيانه لاعتقاداتهم: " ومن ذلك أنهم يؤمنون بالقضاء والقدر أنه من الله، وأن الخير والشر من الله، وكسب من العباد، وهم يوافقون أهل السنة في هذا، والحجة قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، ولو ثبت للعباد خلق لزم ثبوت شريك، هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ، هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ (٧).

والواقع أن الرأي الأخير وهو القائم على الإيمان بالقدر الأزلي، وخلق الله لكل شيء في الكون، وفعل العبد لأفعاله الاختيارية ومسئوليته عنها، وهو مذهب السلف الصالح- والواقع أن هذا المبدأ هو الحق وهو أصح المبادئ في هذا المقام، فهو مقتضى الإيمان بالله المتفرد بالربوبية والألوهية في الكون، ومقتضى ما جاء في الشرع من التكليف والجزاء، فمذهب كل من الجبرية والقدرية مردود، وقد أخطأ الخوارج الذين قالوا بهذين المذهبين الباطلين.

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٢٩٣


(١) [٨٤٤٤]) ((الحجة في بيان المحجة)) (ص ٢٣).
(٢) [٨٤٤٥]) ((الإباضية بين الفرق)) (ص ٢٤٨).
(٣) [٨٤٤٦]) ((الإباضية بين الفرق الإسلامية)) (ص ٣٥٧).
(٤) [٨٤٤٧]) ((الإباضية في موكب التاريخ)) (ص ٦٠)
(٥) [٨٤٤٨]) انظر: ((مقالات الأشعري)) (١/ ١٨٧)، ((الفرق بين الفرق)) (ص ١٠٥)، ((الملل والنحل)) (ص ١٣٤).
(٦) [٨٤٤٩]) ((الإباضية بين الفرق الإسلامية)) (ص ٤٨٤).
(٧) [٨٤٥٠]) ((العقود الفضية)) (ص ٢٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>