للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وورد في الحديث أن الأعمال تتفاضل، وأن بعضها يفضل بعضها، والمفضول يكون ناقصاً عن الفاضل، كما يشير إليه حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في روايته الآتية: "قالوا: يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده".وقد أورده البخاري شاهداً على قبول الإيمان للزيادة والنقص (١)؛ لأنه كما قال ابن حجر: "الإسلام والإيمان عنده مترادفان" (٢).ويشهد لهذا أيضاً حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا، فيلقون في نهر الحيا – أو: الحياة – شك مالك، وهو أحد رواة الحديث- فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية)) (٣).وقد وردت عن السلف أقوال كثيرة في زيادة الإيمان ونقصه، أورد منها البخاري ما قاله معاذ لأحد الصحابة: "اجلس بنا نؤمن ساعة"، وقول ابن مسعود: "اليقين الإيمان كله"، وقول ابن عمر: "لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر" (٤).

ومثل ما سبق عند البخاري ما ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه، حيث قال: "من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينقص".وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه: "اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً" (٥).

وقد استفاض النقل عن السلف أنهم يرون الإيمان يزيد وينقص. يقول بدر الدين الحنبلي في مختصر الفتاوى، بعد أن عرف الإيمان بأنه قول وعمل – قال: وهو – أي الإيمان – "يزيد وينقص، يزيد بالطاعة والحسنات وينقص بالفسوق والعصيان" (٦).ويقول أيضاً: "والإيمان يتبعض ويتفاضل الناس فيه" (٧).ويقول الأشعري في إبانة قول أهل الحق والسنة – إنهم يقولون: إن "الإيمان يزيد وينقص" (٨)، وهذا هو ما يذهب إليه أصحاب الحديث وأهل السنة ويقرون به ((٩).

وأخيراً نقول: إن ما يراه أهل السنة والجماعة من أن الإيمان يزيد وينقص، وأن أهله يتفاضلون فيه كل بما رزقه الله ووفقه وشرح صدره، لذلك هو ما يشهد به العقل ويثبته الواقع، إذ أن من أول البديهيات التي تدل على تفاضل الناس في الإيمان ما يشاهد من إخلاص بعضهم وقوة صبرهم على احتمال أوامر الله ونواهيه بصدر رحب، وطمأنينة تامة، بينما نر البعض الآخر لا يؤدي ما أوجبه الله عليه إلا بكره من نفسه وكسل تام، وهذا أمر ظاهر.

ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم وهم خير الأمة يعرفون تفاضلهم فيه، كما تشهد بذلك أقوالهم، وإنه لمن غير الإنصاف والعدل أن نقول: إن إيمان ويقين أي شخص كان كإيمان أبي بكر ويقينه، وحبه للرسول صلى الله عليه وسلم، وتعظيمه له، إلا إذا كابرنا الحق وتجنبنا الطريق الواضح، كما هو رأي الخوارج في عدم زيادة الإيمان ونقصه، وقد قدمنا كثيرا من النصوص والبراهين التي تبطل زعمهم هذا، ويكفي دليلاً على بطلانه – بعد تلك الأدلة- ما رتبوه عليه من نتائج خطيرة، كتكفيرهم لعصاة المسلمين، والقول بتخليدهم في النار، واستحلالهم أخذ أموالهم، وسبي نسائهم وذراريهم، كما سنبين هذا في بحث الكبيرة إن شاء الله.

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٢٥٨


(١) رواه البخاري (١١). ورواه مسلم (٤٢).
(٢) ((فتح الباري)) (١/ ٥٥)
(٣) رواه البخاري (٢٢).
(٤) ((صحيح البخاري)) (١/ ٨). وقال ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (١/ ١٨): لم أقف عليه.
(٥) رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في ((السنة)) (١/ ٣٦٨). وانظر: ((شرح الطحاوية)) (ص٢٩٠).
(٦) ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص٢٦٧)، وانظر ((الإبانة للأشعري)) (ص١٠).
(٧) ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص١٤٢)، وانظر: ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص١٤٤)
(٨) ((الإبانة عن أصول الديانة)) (ص١٠)
(٩) ((المقالات)) (١/ ٣٤٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>