للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى في السبب الذي من أجله جعل أصحاب النار ملائكة، وفي عدتهم أيضاً وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر: ٣١]، وقال تعالى في أصحاب الكهف: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: ١٣]، وقال تعالى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى. والآيات في هذا المعنى كثيرة في كتاب الله تعالى، وإذا ثبتت الزيادة، فإن مقابلها وهو النقص ثابت أيضا؛ لأن ما قبل الزيادة يقبل النقص، وقد استدل البخاري رحمه الله في صحيحه بهذه الآيات، وأثبت أن الإيمان "يزيد وينقص" (١).

وأما الأدلة من الحديث فقد وردت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تشير إلى أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الناس يتفاضلون فيه. قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) (٢). قال علي الحنفي: "والمراد نفي الكمال" ((٣)، وقد وصف صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان العقل والدين؛ قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين (٤). فقد وصفهن عليه السلام بنقص الدين، وذلك بسبب نقص الطاعات. قال النووي: "وإذا ثبت هذا، علمنا أن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه" (٥).أما نقص الإيمان بالمعاصي، فقد وردت عدة أحاديث فيها ذكر مجموعة من المعاصي، تنقص إيمان من ارتكب منها واحدا، كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) (٦)، وفي رواية عن أبي هريرة: ((ولا ينتهب نهبة ذات شرف، يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن)) (٧). إلا أن هذا الحديث وما في معناه ليس المراد به نفي الإيمان مطلقاً كما تقول الخوارج، ولكن المقصود به نفي كمال الإيمان. يقول النووي: "فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله" (٨).


(١) ((صحيح البخاري)) (١/ ١٧)، وانظر: ((شرح الطحاوية)) (ص ٢٨٨).
(٢) رواه مسلم (٤٤). من حديث أنس رضي الله عنه.
(٣) ((شرح الطحاوية)) (ص ٢٩٠)
(٤) رواه البخاري (٣٠٤) , من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, ومسلم (٧٩) , من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٥) ((شرح النووي)) (١/ ٦٨)
(٦) رواه البخاري (٥٥٧٨)، ومسلم (٥٧).
(٧) رواه مسلم (٥٧).
(٨) ((شرح النووي)) (١/ ٤١)، وانظر: ((اللمع)) (ص١٢٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>