للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإني إذا أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

فعده من الكرم لا من الخلق المذموم" (١).ووجوب الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب عند الإباضية لا يرجع إلى الإيجاب على الله لأن أحدا لا يوجب عليه سبحانه وتعالى شيئا بل هو مقتضى الحكمة الإلهية. فيرون وجوب الثواب والعقاب في حق الحكمة لأن الحكمة تقتضي أن يثاب المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويرون أن الذين يقولون بوجوب الثواب والعقاب على الله وهم المعتزلة قد أساءوا الأدب مع ربهم لأنهم لم يحترزوا بكلمة "في حق الحكمة وهذا ما قاله أحد أئمتهم أبو يعقوب يوسف ابن إبراهيم الوارجلاني: "إن الله لا يجب عليه شيء لأنه لا موجب عليه، وإنما الوجوب في الحكمة، واجب عليه الثواب في حق الحكمة والعقاب كذلك (٢). ويقول أيضا في إيضاح وجوب الثواب والعقاب إضافة إلى ما تقدم: "وأما الصنف الثاني من المكلفين بنو آدم والجن، فهؤلاء من واجب الحكمة أن يجب لهم الأجر والثواب على الله تعالى من جهة الحكمة ومقتضاها لا من جهة إيجاب موجب" (٣).والقول بإيجاب شيء على الله فيه إساءة أدب لا يليق بجناب الله كما قال الوارجلاني أيضا يرد على الموجبين: "فالذين قالوا إن الثواب حتم على الله قد أساءوا الأدب، إنما كان ينبغي لهم أن يقولوا: حتم في واجب الحكمة" (٤) إلخ.

بعد بيان هذا الاختلاف عند الخوارج في حكم مرتكبي الذنوب أحب أن أشير إلى أن ما ذكره الدكتور عبدالحليم محمود والشيخ أبو زهرة رحمهما الله عن الخوارج، من أنهم على رأي واحد في أمر العصاة وهو حكمهم عليهم جميعا بالتكفير فيه تساهل؛ فقد رأينا كيف اختلفوا في موقفهم من أهل الكبائر بين تكفيرهم كفر ملة أو تكفيرهم كفر نعمة، وكذلك اختلف حكمهم على مرتكبي المعاصي من حيث هي كبيرة أو صغيرة ومن حيث الإصرار عليها وعدمه، وكذلك من حيث كون العصاة منهم أو من غيرهم ... إلخ. فقول الدكتور عبدالحليم: "ورأيهم في مرتكب الكبيرة يتفقون جميعا عليه" (٥)، وقول الشيخ أبي زهرة: "فالخوارج يكفرون مرتكب الكبيرة ويعدونه مخلدا في النار" (٦) -لا يتفق مع تلك الأحكام المختلفة. ولعلهما استندا في هذا القول إلى الكعبي - وهو من شيوخ المعتزلة - الذي ادعى إجماع الخوارج على تكفير مرتكبي الذنوب، وكذلك ابن أبي الحديد حيث يقول: "واعلم أن الخوارج كلها تذهب إلى تكفير أهل الكبائر" (٧)، وذلك يخالف قول الأشعري: "وأجمعوا على أن كل كبيرة كفر إلا النجدات فإنها لا تقول ذلك" (٨).ولهذا قال البغدادي: "والصواب ما حكاه شيخنا أبو الحسن عنهم، وقد أخطأ الكعبي في دعواه إجماع الخوارج على تكفير مرتكبي الذنوب منهم" (٩).ومثل هذا التعميم في إطلاق الأحكام على الخوارج ما نراه عند القاضي عبدالجبار في ادعائه أن الخوارج جميعا لا يفرقون بين الصغيرة والكبيرة، بل يعتبرون كل الذنوب من الكبائر فيقول: "وقد أنكرت الخوارج أن يكون في المعاصي صغيرة وحكمت بأن الكل كبيرة" (١٠).

وقد رأينا من قبل تفرقتهم جميعا بين الصغيرة والكبيرة وتفرقتهم كذلك بين مرتكب كل منهما في الحكم، اللهم إلا الحارثية من الإباضية.

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٣٥٧


(١) ((الفرق بين الفرق)) (ص٣٦٥).
(٢) ((الدليل لأهل العقول)) (ص٥٦).
(٣) ((الدليل لأهل العقول)) (ص٥٦).
(٤) ((الدليل لأهل العقول)) (ص٥٨).
(٥) ((التفكير الفلسفي)) (ص١٩١).
(٦) ((تاريخ المذاهب الإسلامية)) (٢/ ٥٥).
(٧) ((شرح نهج البلاغة)) (٨/ ١١٣).
(٨) ((المقالات)) (١/ ١٦٧).
(٩) ((الفرق بين الفرق)) (ص٧٣).
(١٠) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٦٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>