للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني: إن الله عني بالكافرين أهل الإسلام وبالظالمين اليهود وبالفاسقين النصارى. القول الرابع: أن معنى الكفر في الآية أي "ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به، فأما الظلم والفسق فهو للمقر به" (١).وقد قصر ابن أبي الحديد حكم الآية على اليهود فقط فقال: "والجواب أن هذا مقصور على اليهود لأن ذكرهم هو المقدم في الآية" (٢).

٢ - واستدل الخوارج على ما اعتقدوه من كفر مرتكب الذنب بقوله تعالى: فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل:١٤ - ١٦]، ووجه استدلالهم بها أن الله تعالى قد أخبر بأن هذه النار التي تتلظى هي لشقي مكذب متول عن أمر الله، فهو فاسق والفاسق في النار، وقد بين الله تعالى أن النار أعدت للكافرين، وصاحب الكبيرة الفاسق من أهل النار وإذا كان من أهل النار فهو كافر لأنها أعدت لهم لا للمؤمنين. والجواب عن هذا: أن الله وصف هذا الذي يصلى هذه النار بأنه مكذب ومتول عن أمر الله ونهيه، ولا شك أن من كانت هذه صفته فهو كافر، ولكن هذه الصفة لا تنطبق على فاسق مصدق بآيات الله وهذا ما ننازعهم فيه، بل إن هذا الدليل هو عليهم أكثر مما هو لهم كما يرى القاضي عبدالجبار، حيث يقول جوابا عن الاستدلال بهذه الآية: "وجوابنا لا تعلق لكم بظاهر الآية؛ لأنه قال: لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل: ١٥،١٦]، وليس هذا حال الفاسق فإذا لو كنا مستدلين بها عليكم لكان أولى" (٣).على أن العصاة وإن دخلوا النار بذنوبهم فإن دخولهم ليس بلازم لهم يقول الشوكاني في معنى قوله تعالى: لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى: "أي لا يصلاها صليا لازما على جهة الخلود إلا الأشقى وهو الكافر، وإن صليها غيره من العصاة فليس صلية كصلية" (٤).

وقد أجاب ابن أبي الحديد وجعفر بن أحمد بجواب آخر: يقول ابن أبي الحديد: "وغير ممتنع أن يكون في الآخرة نار مخصوصة لا يصلاها إلا الذين كذبوا وتولوا، ويكون للفساق نار أخرى غيرها" (٥).ويقول جعفر بن أحمد: "وجوابنا أن الآية لا تدل على شيء مما ذهبوا إليه لأنه ذكر النار بلفظ التنكير، فصريح الخطاب يقتضي أن في جهنم نارا مخصوصة لا يصلاها إلا شقي مكذب، فمن أين أنه ليس هناك نار أخرى يصلاها الفاسق، وهذا الكلام لا يقتضي نفيها بل قد ثبت أن في جهنم طبقات ودركات، بعضها يختص بالكفار وبعضها يختص بالفساق. على أن الله تعالى وصف هذا الأشقى المذكور بصفة لا توجد في الفاسق وهو كونه مكذبا ومتوليا عن أمر الله، وهذه ليست حال الفاسق فإن كلامنا معهم في فاسق مصدق بآيات الله وهو موضع الخلاف. فأما المكذب فلا خلاف بيننا وبينهم في أنه كافر" (٦).

وهذا الجواب منهم قائم على أساس ما يراه المعتزلة من وجود نار خاصة بالفاسقين، والقول في هذا أن الله يعذب الفاسق في أي مكان أراد من النار ثم يعفو إذا شاء عنه ويدخله الجنة ولا يدخله في النار، كما تقول الخوارج ومن يرى رأيهم. وقد فسر الطبري معنى قوله تعالى: لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل: ١٥،١٦]: "أي الذي كذب بآيات الله وأعرض عنها ولم يصدق بها" (٧). وعلى هذا فإن الفاسق ليس ممن كذب بآيات ربه وأعرض عنها ولم يصدق بها؛ فإن هذا كافر وهو ما وردت الآية فيه بخلاف الفاسق فإنه لا زال تحت كلمة الإسلام وتحت مشيئة الله تعالى.


(١) ((تفسير الطبري)) (٦/ ٢٥٢ - ٢٥٧).
(٢) ((شرح نهج البلاغة)) (٨/ ١١٥).
(٣) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٧٢٣).
(٤) ((فتح القدير)) (٥/ ٤٥٣).
(٥) ((شرح نهج البلاغة)) (٨/ ١١٥).
(٦) ((إبانة المناهج)) في نصيحة الخوارج (ص١٦٤).
(٧) ((جامع البيان)) (٣/ ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>