للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - واستدل الخوارج بقوله تعالى: ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ [سبأ:١٧]، ووجه استدلالهم بالآية: أن صاحب الكبيرة لابد أن يجازى وقد أخبر تعالى أنه لا يجازى إلا الكافر، والفاسق ثبتت مجازاته عندهم فيكون كافرا بثبوت الجزاء، فلا فرق بينهما.

ومفهومهم لهذا الدليل مردود عليهم؛ إذ أنه ينتقض بأن الله يجازي الأنبياء والمؤمنين وليسوا كفارا، وبأن الآية كانت تعقيبا لبيان ذلك العقاب الذي حل بأهل سبأ وهو عقاب الاستئصال وهذا ثابت للكفار كما أوضحت الآية. يقول ابن أبي الحديد: "والجواب أن المراد بذلك: وهل نجازي بعقاب الاستئصال إلا الكفور؛ لأن الآية وردت في قصة سبأ لكونهم استؤصلوا بالعقوبة" (١).وفي هذا يقول أيضا جعفر بن أحمد: "ظاهر الآية يقتضي أن المجازاة لا تثبت إلا لمن هو كافر وقد أجمعنا على خلافه؛ فإن الأنبياء والمؤمنين يجازون وليسوا بكفار" - إلى أن قال: "فمتى قالوا إنا أثبتنا مجازاة الأنبياء والمؤمنين بدلالة أخرى، قلنا: فنحن أيضا نثبت مجازاة الفساق بدلالة أخرى، فأما هذه الآية فإنها محمولة عندنا على عقاب الاستئصال وفيه وردت، فإن الله تعالى ذكرها في آخر قصة سبأ وعقب بها حكاية حالهم وما جرى لهم وعليهم" (٢).

٤ - واستدلوا بقوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [آل عمران: ١٠٦]، ووجه استدلالهم بذلك أن مسودي الوجوه هم الكفرة، والفساق ليسوا ممن ابيضت وجوههم فيلحقون بمن اسودت وجوههم وهم الكفرة بدليل أن الله قسم المكلفين إلى قسمين: قسم ابيضت وجوههم فهم مؤمنون في الجنة، وقسم اسودت وجوههم فهم كفار في النار، خصوصا وأن الله قد نص على كفرهم وهذا ما يثبت أن الفاسق كافر.

والحقيقة أن هذه الآية لا تدل على الحصر المانع من وجود قسم آخر وذلك لما يأتي:

١ - إن ذكر فريقين بخصوصهما لا يدل على الحصر ونفي ما عداهما كما يشهد لهذا آيات من القرآن الكريم، كقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء [النور: ٤٥]، فالآية لا تدل على حصر جميع المخلوقات فيها، بل قد ثبت بالمشاهدة أن فيه دواباً تمشي على أكثر من أربع، فتخصيص الآية بذكر هذين الفريقين لا ينفي وجود فريق ثالث وهم العصاة من المؤمنين، ويكون عذابهم غير عذاب الكفار الأصليين أو المرتدين المخلدين في النار.


(١) ((شرح نهج البلاغة)) (٨/ ١١٦).
(٢) ((إبانة المناهج)) (ص١٦٥، وانظر: ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٧٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>