للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - إن الله تعالى ذكر في هذه الآية المرتدين بعد إيمانهم ولم يذكر بقية أصناف الكفار من يهود ونصارى ووثنيين وغير هؤلاء من أناف الكفار، فهي ليست حاصرة لأصناف الكفار، فضلا عن أن تكون حاصرة لأصناف الناس بصفة عامة في المؤمنين والكافرين فقط. وقول جعفر بن حمد: "وجوابنا أن هذه الآية لا تدل على شيء مما ذهبوا إليه ولا تبين عن موضع الخلاف؛ لأن غاية ما فيها أنه ذكر فريقين موصوفين بصفتين، وذلك لا يقتضي نفي ما عداهما من ثالث ورابع؛ لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداهما" - إلى أن يقول: "فبان أن تخصيص الله تعالى بهذين الفريقين بالذكر لا يقتضي نفي ما عداهما؛ فيجوز على هذا أن يكون الفسقة فريقا ثالثا يوكون حكمهم المصير إلى النار وإن لم يذكرهم في هذه الآية، بل قد ذكرهم في آيات أخر ولا يدل على كفرهم، على أن الله تعالى ما ذكر في هذه الآية من الكفار إلا المرتدين بعد الإسلام بدليل قوله تعالى: أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، ولم يذكر فيها الكافر الأصلي كالملحد والوثني واليهودي والنصراني، فإذا لم يكن تخصيصه للمرتدين بالذكر دلالة على نفي من عداهم من أهل الكفر ولا على دخولهم في جملة الكفار" (١).وقال القاضي عبدالجبار مجيبا عن هذا الاستدلال ورادا على الخوارج قولهم: "ثم نقول لهم: ليس في تخصيص الله تعالى بعض مسودي الوجوه بالذكر ما يدل على أن لا مسودي الوجوه غيره، فإن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه" (٢).

٥ - واستدلوا بقوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ، وقوله: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ [الآيات الحاقة ١٩ - ٢٥].

ويقوم استدلالهم بهذه الآيات ونحوها على أن الله تعالى قسم الناس إلى قسمين: القسم الأول يؤتى كتابه بيمينه وهم المؤمنون، والقسم الآخر يؤتى كتابه بشماله وهم الكافرون، والفاسق لا يؤتى كتابه بيمينه بل بشماله فإذ هو كافر. ويرد عليهم بأن الله ذكر فريقين ثم وصفهما بهذه الصفات فلا يمنع أن يكون هناك فريق آخر لم يذكره له صفة أخرى وهم الفساق، ثم إن قوله تعالى فيما بعد في شأن من أوتي كتابه بشماله: إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ [الحاقة: ٣٣] يدل على أنه غير مؤمن وهذا لا شك في كفره، ولا خلاف، وإنما الخلاف في الفاسق المؤمن بالله والذي يعترف بأن الله سبحانه سيجازيه على أعماله ولا يجحد تحريمها وإنما غلبت عليه شهوته، وهذا ما لم تذكره الآية (٣)، وهو تحت المشيئة.

٦ - واستدلوا بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ [التغابن: ٢] على أن الله تعالى حصر الناس في هذين القسمين إما مؤمن أو كافر، وقد امتدح المؤمنين وذم الكفار، والفساق ليسوا من القسم الممدوح وهم المؤمنون، فإذا هم من القسم الآخر المذموم وهم الكفار، ولأن الفاسق ليس بمؤمن فيكون كافرا.

ويرد عليهم:

١ - بما تقدم في قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ من أن التخصيص لا ينفي ما عدا المخصص وإثبات الصنفين لا يدل على نفي الثالث.


(١) ((إبانة المناهج)) (ص١٦٤، ١٦٥).
(٢) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٧٢٣) وانظر ((شرح نهج البلاغة)) (٨/ ١١٦).
(٣) انظر: ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٧٢٥،٧٢٤)، وانظر: ((إبانة المناهج)) (ص١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>