للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويذكر النووي أن "هذا الحديث مما اختلف العلماء في معناه"، ثم يذكر أن الصحيح من هذه المعاني هو نفي أن يكون الفاعل كامل الإيمان ولا عبرة عنده بتلك الاختلافات، "فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان".ثم يذكر أن السبب الحامل له على هذا التأويل ورود نصوص كثيرة تشهد بخلافه فيقول: "وإنما تأولناه على ما ذكرناه لحديث أبي ذر وغيره: ((من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق)) (١). وحديث عبادة بن الصامت الصحيح المشهور: ((أنهم بايعوه صلى الله عليه وسلم على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يعصوا ... إلى آخره. ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم: فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن فعل شيئا من ذلك فعوقب في الدنيا فهو كفارته، ومن فعل ولم يعاقب فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه)) (٢). فهذان الحديثان مع نظائرهما في الصحيح، مع قول الله عز وجل: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء: ٤٨]، مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك بل هم مؤمنون ناقصوا الإيمان، إن تابوا سقطت عقوبتهم وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة فإن شاء الله تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولا، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة. وكل هذه الأدلة تضطرنا إلى تأويل هذا الحديث وشبهه".

وهذا التأويل كما يقول: "ظاهر سائغ في اللغة مستعمل فيها كثيرا"، وهناك أقوال للعلماء في تأويله تلمسوها باجتهادهم وهي محتملة إلا أن بعضها غلط، قال النووي ينبغي تركه فقد "تأول بعض العلماء هذا الحديث على من فعل ذلك مستحلا له مع علمه بورود الشرع بتحريمه"، وبعضهم قال: "ينزع منه اسم المدح الذي يسمى به أولياء الله المؤمنين، ويستحق اسم الذم فيقال: سارق، وزان، وفاجر، وفاسق".

"وحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معناه ينزع منه نور الإيمان، وقال المهلب: ينزع منه بصيرته في طاعة الله تعالى، وذهب الزهري إلى أن هذا الحديث وما أشبهه يؤمن بها ويمر على ما جاءت ولا يخاض في معناها وإنا لا نعلم معناها. وقال: أمروها كما أمرها من قبلكم".وقال النووي بعد أن أورد تلك الآراء: "وقيل في معنى الحديث غير ما ذكرته مما ليس بظاهر بل بعضها غلط فتركتها، وهذه الأقوال التي ذكرتها في تأويله كلها محتملة والصحيح في معنى الحديث ما قدمناه أولاً" (٣).

وقد زاد ابن حجر فذكر أقوالا منها:

١ - أن هذا الحديث "خبر بمعنى النهي"، والمعنى: لا يزنين مؤمن ولا يسرقن مؤمن. وقد أخرجه الطبري من طريق محمد بن زيد بن واقد بن عبدالله بن عمر.

٢ - "أن يكون بذلك منافقا نفاق معصية لا نفاق كفر"، ويعزى هذا الرأي إلى الأوزاعي.

٣ - أن معنى نفي كونه مؤمنا أنه شابه الكافر في عمله.

٤ - معنى قوله ليس بمؤمن أي ليس بمستحضر في حالة تلبسه بالكبيرة جلال من آمن به.

٥ - معنى نفي الإيمان نفي الأمان من عذاب الله.

٦ - أن المراد به الزجر والتنفير ولا يراد ظاهره.


(١) رواه البخاري (٥٨٢٧)، ومسلم (٩٤).
(٢) رواه البخاري (١٨)، ومسلم (١٧٠٩).
(٣) ((شرح النووي)) (٢/ ٤١، ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>