للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧ - أنه يسلب الإيمان حال تلبسه بالكبيرة، فإذا فارقها عاد إليه. وقد تبين المازري فائدة هذه التأويلات بأنها "تدفع قول الخوارج ومن وافقهم من الرافضة أن مرتكب الكبيرة كافر مخلد في النار إذا مات من غير توبة، وكذا قول المعتزلة إنه فاسق مخلد في النار؛ فإن الطوائف المذكورين تعلقوا بهذا الحديث وشبهه وإذا احتمل ما قلناه اندفعت حجتهم" (١).وقد أشار ابن حجر رحمه الله إلى الجمع بين حديث: ((لا يشرب الخمر وهو مؤمن))، وبين قوله صلى الله عليه وسلم في رجل يسمى عبدالله ويلقب حمارا كان يشرب الخمر، فلما جلده رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعنوه فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله)) (٢): أن المراد به – كما قال ابن حجر- نفي كمال الإيمان لا أنه يخرج عن الإيمان جملة (٣).٢ - واستدل الخوارج على تكفير أهل الذنوب بما ورد في الأحاديث التي يدل ظاهرها على تكفير المسلمين المتقاتلين فيما بينهم، وذلك كما جاء في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: ((لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)) (٤)، فحملوه على أنه وارد في تكفير الموصوفين بما ذكر.

وللعلماء في معنى هذا الحديث سبعة أقوال وهي:

١ - أن ذلك كفر في حق المستحل بغير حق.

٢ - أن المراد كفر النعمة وحق الإسلام.

٣ - أنه يقرب من الكفر ويؤدي إليه.

٤ - أنه فعل كفعل الكفار.

٥ - المراد حقيقة الكفر، ومعناه لا تكفروا بل دوموا مسلمين.

٦ - حكاه الخطابي وغيره أن المراد بالكفار المتكفرون بالسلاح، وهذا بعيد فيما يظهر.٧ - وهو للخطابي أيضا أن معناه لا يكفر بعضكم بعضا فتستحلوا قتال بعضكم بعضا (٥).وقد رجح النووي من تلك الأقوال القول الرابع وهو أن فعل القتل يشبه فعل الكفار، ويقول ابن حزم أن الحديث على ظاهره وإنما في هذا اللفظ النهي على أن يرتدوا بعده إلى الكفر فيقتتلوا في ذلك فقط، وليس في هذا اللفظ أن القاتل كافر" (٦).

وهذا – حسب ما ظهر لي- هو أحسن الأقوال وأقربها إلى معنى الحديث أي أن المنع متوجه إلى النهي عن أن يرتدوا إلى الكفر، الذي يترتب عليه ضرب بعضهم رقاب بعض لعدم المانع لهم حينئذ وهو الإسلام. ومثل قول ابن حزم في القوة الأول والسابع من الأقوال التي ذكرها النووي رحمه الله.

وقول الخوارج بتكفير المتقاتلين غير سديد، فقد سمى الله المتقاتلين من المؤمنين إخوانا مع أنهم من أهل الكبائر بتلك المقاتلة، فقال تعالى مخاطبا جميع المؤمنين بما فيهم القتلة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: ١٧٨].


(١) ((فتح الباري)) (١٢/ ٦١ - ٦٢، وانظر: ((كتاب الإيمان)) لابن تيمية (ص٢٦٩، ٢٧٥).
(٢) رواه البخاري (٦٧٨٠).
(٣) ((فتح الباري)) (١٢/ ٧٦).
(٤) رواه البخاري (١٢١)، ومسلم (٦٥). من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
(٥) ((شرح النووي)) (٢/ ٥٥).
(٦) ((الفصل)) (٣/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>