للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيا كان الأمر، فإن كون هذا الموقف لنافع ابتداء أو بعد تلك المحاورة، فالمهم أنه اقتنع به، بل وغالى فيه حتى أصبح الأزارقة هم أكبر من تزعم القول بتشريك المخالفين وإخراجهم عن الملة واستباحة كل شيء منهم، وقد أتبعوا قولهم بالفعل فسفكوا الدماء، وانتهكوا المحرمات، وقتلوا مخالفيهم كبارهم وصغارهم، لم يراعوا في ذلك فيهم إلا ولا ذمة، وقد تواترت أقوال العلماء في ذلك يؤيد بعضهم بعضا على أن الأزارقة هم شر الفرق وأشدهم على أهل الإسلام. وقد ذكر موقفهم من مخالفيهم علماء الإسلام، ومنهم الأشعري حيث قال في معرض بيانه لأقوال الأزارقة: وإنهم يقولون: "إن الدار دار كفر، يعنون دار مخالفيهم" (١). وما دام مخالفوهم بهذه الصفة، فلا بأس في حقهم حتى في ارتكاب ما ينافي الأخلاق والعرف بين الناس، فيجوز خيانة الأمانة، وعدم أدائها إليهم، "واستحلوا خفر الأمانات التي أمر الله بأدائها، وقالوا: قوم مشركون لا ينبغي أن تؤدى الأمانة إليهم" (٢).ويقول البغدادي: "وزعم نافع وأتباعه أن دار مخالفيهم دار كفر" (٣).ويقول الملطي: "فصنف منهم يقال لهم الأزارقة وهم أصعب الخوارج وأشرهم فعلا وأسوأهم حالا" (٤)؛ وذلك بما اعتقدوه في الناس وما فعلوه بهم، بل إنهم يعتبرون حتى أنفسهم مشركين بمخالطتهم مخالفيهم والإقامة معهم حتى يخرجوا عنهم فيثبت إسلامهم عند ذاك، وإلا فهم مثلهم مشركون، كما يقول ابن الجوزي مبينا ذلك: "وكان أصحاب نافع بن الأزرق يقولون: نحن مشركون ما دمنا في دار الشرك، فإذا خرجنا فنحن مسلمون، قالوا: ومخالفونا في المذهب مشركون" (٥) وهذا يدل على غاية جهلهم وتعصبهم لرأيهم، فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان في مكة قبل الهجرة بين المشركين مشركا بسبب مقامه؟! هذا منهم ضلال إضافة إلى ضلالتهم في اعتبارهم المسلمين المخالطين لهم مشركين، ولكن الله قد جعل بأسهم بينهم يقتل بعضهم بعضا ويغنم بعضهم مال بعض شأن أهل الأهواء والبدع، بقول صاحب كتاب (الأديان): "واجمعوا على تشريك أهل القبلة وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم، ومنهم من يستحل قتل السريرة والعلانية، واعترضوا الناس بالسيف على غير دعوة ومنهم من لا يستحل قتل السريرة وهم مختلفون فيما بينهم، يقتل بعضهم بعضا، ويغنم بعضهم مال بعض، ويبرأ بعضهم من بعض" (٦).


(١) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ١٧٠).
(٢) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ١٧٤).
(٣) ((الفرق بين الفرق)) (ص٨٤).
(٤) ((التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع)) (ص١٦٧).
(٥) ((تلبيس إبليس)) (ص٩٥).
(٦) من ((كتاب الأديان والفرق)) (ص٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>