للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استدل نافع بالآيات التي وردت في المشركين زاعما أنها تشمل مخالفيه من المسلمين، وذلك حين قام خطيبا في أصحابه يذكرهم بنعمة الله عليهم حيث عرفهم من الحق ما لم يعرفه غيرهم، وأنه لا ينبغي لهم ولاية أحد من مخالفيهم، فلا يجوز التزوج منهم، أو موارثتهم، أو حتى الإقامة معهم، ومن قوله في ذلك: "فقد أنزل الله تبارك وتعالى: بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ [التوبة:١]، وقال: وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:٢٢١]، فقد حرم الله ولايتهم، والمقام بين أظهرهم، وإجازة شهادتهم وأكل ذبائحهم، وقبول علم الدين عنهم، ومناكحتهم وموارثتهم، وقد احتج الله علينا بمعرفة هذا وحق علينا أن نعلم هذا الدين الذين خرجنا من عندهم ولا نكتم ما أنزل الله، والله عز وجل يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ [البقرة:١٧٤] ".قال الطبري: "فاستجاب له إلى هذا الرأي جميع أصحابه" (١) وقد أورد الشاطبي رحمه الله قصة عجيبة لهم تدل على فساد اعتقادهم وخروجهم عن الجادة بقتلهم من يقول إنه مسلم دون التحقيق من صدقه أو كذبه، وكأنما قول المخالف لهم: أنا مسلم يساوي قوله أنه كافر، كما سنراهم حين يأخذون عبادة بن قرط الذي رجع من غزو الكفار الحقيقيين، والذي جاءهم حين سمع الأذان لا ليشاهد كيفية الصلاة ولكن ليدخل في الصلاة مسلما مؤمنا بربه ونبيه، هذه القصة عبر عنها الشاطبي بقوله: "روي في حديث خرجه البغوي في معجمه عن حميد بن هلال أن عبادة بن قرط غزا فمكث في غزاته تلك ما شاء الله ثم رجع مع المسلمين منذ زمان، فقصد نحو الأذان يريد الصلاة، فإذا هو بالأزارقة - صنف من الخوارج - فلما رأوه قالوا: ما جاء بك يا عدو الله؟ قال: ما أنتم يا إخوتي، قالوا: أنت أخو الشيطان لنقتلنك، قال: أما ترضون مني بما رضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالوا: وأي شيء رضي منك؟ قال: أتيته وأنا كافر، فشهدت أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلى عني. قال: فأخذوه فقتلوه" (٢).


(١) ((تاريخ الطبري)) (٥/ ٥٦٧).
(٢) ((الاعتصام)) (٢/ ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>