للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا التعبير هو ما يستعمله الأشعري والبغدادي والشهرستاني. يقول الأشعري: "وجمهور الإباضية يتولى المحكمة كلها إلا من خرج، ويزعمون أن مخالفيهم من أهل الصلاة كفار وليسوا بمشركين" (١).وهكذا عند البغدادي، فقد ذكر أنهم يرون أن مخالفيهم "براء من الشرك والإيمان وأنهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين ولكنهم كفار" (٢). وكذا عند الشهرستاني (٣).وقد زاد البغدادي حكما آخر عن الإباضية وهو أنهم يعتبرون مخالفيهم محاربين لله ولرسوله، فيكون قد تميز بذكر حكمين لمخالفيهم، أي أنهم كفار وأنهم محاربون، وذلك في قوله: "وزعموا أنهم – يعني مخالفي الإباضية – في ذلك محاربين لله ولرسوله لا يدينون دين الحق" (٤).

ولكن هل يطبقون حكم المحاربين عليهم؟ سنرى فيما بعد ما يقوله الإباضية عن أنفسهم. وقد انتقد على معمر هذا الأسلوب في حكم الإباضية على مخالفيهم ووصفه بأنه أسلوب موهم غامض، وأن كثيرا مما قيل عن الإباضية في هذا الباب "إنما هو – كما يقول معمر – تشنيعات وتلفيقات من ناس يريدون أن يوقدوا نار الفتنة ضد الإباضية، وأن يجعلوهم مكروهين من بقية إخوانهم المسلمين فينسبون إليهم عقائد ومقالات يبرأون منها وممن يقول بها، ويسوقون عنهم أقوالا في غاية الغموض والإبهام؛ لإثارة الرأي العام ضدهم ... إلخ" (٥).

ومن هذه الإيهامات – كما يرى – ذلك التعبير الذي تقدم عند الأشعري ومن أخذ عنه، حيث لم يبينوا ما إذا كان المسلمون في نظر الإباضية كفار ملة أو كفار نعمة.

وقد تقدم أن الإباضية يرون أن مخالفيهم من المسلمين كفار نعمة لا كفار ملة، ولا ندري كيف جمع الأشعري والبغدادي بين القول بتكفير الإباضية لمخالفيهم تكفيرا مطلقا، والقول باعتبار دارهم دار توحيد إلا معسكر السلطان؟! يقول الأشعري في هذا: "وزعموا أن الدار – يعنون دار مخالفيهم – دار توحيد إلا معسكر السلطان فإنه دار كفر، يعني عندهم" (٦). وهكذا عند البغدادي إلا أنه قصر الدار على مكة، فهي دار التوحيد عندهم إلا معسكر السلطان، فالأشعري يذكر أنهم عمموا الحكم على جميع دور مخالفيهم، والبغدادي خصصها بدور مكة والتناقض في هذه الرواية عن الإباضية ظاهر إذا كانا يقصدان هنا بتكفير الإباضية لمخالفيهم أنه كفر ملة، وإلا كان تساهلا منهم في التعبير عن مذهب الخوارج.

أما رأي الإباضية في الدار فإنهم يقسمونها إلى قسمين: دار إسلام ودار كفر، ودار الكفر لا تنطبق بأي حال على دور مخالفيهم من المسلمين، سواء في ذلك عامة الناس أو معسكر السلطان، خلافا لما ذكره الأشعري وغيره من اعتبارمعسكر السلطان دار كفر عند الإباضية، ودار الإسلام لا تخلو عندهم عن أربع صور هي:

١ - أن يكون أهل الوطن كلهم مسلمين والسلطان عادل ملتزم بالمنهج الإسلامي، وفي هذه الصورة تكون الدار دار إسلام ومعسكر السلطان معسكر إسلام.

٢ - أن يكون أهل الموطن مسلمين ولكن حاكمهم وصل إلى الحكم بطرق غير مستكملة للشروط، ولكن بعد أن تسلم زمان الحكم التزم المنهج الإسلامي، وهذه الصورة في الحكم كسابقتها.


(١) ((المقالات)) (١/ ١٨٤).
(٢) ((الفرق بين الفرق)) (ص١٠٣).
(٣) ((الملل والنحل)) (١/ ١٣٤).
(٤) ((الفرق بين الفرق)) (ص١٠٣).
(٥) ((الإباضية بين الفرق)) (ص٣٣، ٤٣).
(٦) انظر: ((المقالات)) (١/ ١٨٥) , و ((الفرق بين الفرق)) (ص١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>