للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك من عاداتهم أنهم لا يتبعون المنهزمين في الحرب إذا كانوا من أهل القبلة، إلا أن يكونوا من المشبهة، فهم عندهم كأهل الردة يجوز قتلهم وسبيهم وغنيمة أموالهم واتباع المنهزم منهم. وفي المعركة لا يقتلون النساء ولا الأطفال على عكس ما يفعله الأزارقة (١).ومع هذا التسامح الذي ذكره الأشعري وغيره عن الإباضية إلا أنه يقول عنهم: "وقالوا جميعا أن الواجب أن يستتيبوا من خالفهم في تنزيل أو تأويل، فإن تاب وإلا قتل، كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله أو فيما لا يسع جهله" (٢). ويبقى هنا إشكال في هذا التعبير وهو: هل يستتيبون جميع المخالفين لهم عندما يكونون في دارهم أو في غير دارهم؟ أم أن هذا خاص بالأسرى؟ ومهما كان فكيف يبلغ بهم التشدد والتعصب حتى إنهم يقتلون من خالفهم، ولو كان هذا الخلاف فيما يسعه جهله، فإن هذا تشدد ظاهر. والواقع أن كتاب الإباضية ينفون هذه المعاملة لمخالفيهم عن أنفسهم، فيرى علي يحيى معمر – وهو أكبر من تزعم الدفاع عن الإباضية – أن الأشعري لم يلتزم بتحري الحقيقة في آراء الإباضية وإنما أخذها عن أناس مغرضين كانوا يهدفون إلى تشويه الإباضية عند مخالفيهم والتشنيع عليهم، واعتبر أن قول الأشعري: "وقالوا جميعا أن الواجب أن يستتيبوا من خالفهم في تنزيل أو تأويل، فإن تاب وإلا قتل"، وبين قوله عنهم: "ويزعمون أن مخالفيهم من أهل الصلاة كفار وليسوا بمشركين، حلال مناكحتهم وموارثتهم، حرام قتلهم وسبيهم" – اعتبر ذلك من أمثلة تناقض أهل المقالات والمؤرخين – وبالذات الأشعري – في شأن الإباضية، إلا أنه لم يجعل المسئولية كاملة على الأشعري، وإنما على من ألقى إليه هذه المعلومات الخاطئة حسب زعمه (٣).ويشهد لما تقدم من رأي علي يحيى معمر ما رد به صاحب كتاب (الأديان والفرق) الإباضي على الأزارقة؛ من تخطئتهم في تشريكهم أهل القبلة ثم معاملتهم لهم على هذا الأساس الذي لا يقره الإباضية الذين أجازوا التعامل مع مخالفيهم في كل المجالات، وأن الإباضية لا يستحلون من مخالفيهم غير دمائهم في الحرب إذا وقعت بينهم – فقال: "وأما نقض ما احتجوا به – يعني الأزارقة – من تشريك أهل القبلة واستعراضهم بالسيف، فإن الله سبحانه حكم في أهل القبلة خلاف ما حكم به في المشركين، وأنه لم يحكم في أهل البغي بالسبي والغنيمة، وإنما حكم فيهم بدمائهم وحلها، ولم يحل منهم غير دمائهم، ولما قتل المسلمون عثمان لم يستحلوا منه غير دمه ولم يسبوا له عيالا ولا غنموا له مالا" (٤).ونحو ما تقدم نجده عند عالم آخر من علمائهم هو أبو زكريا يحى بن الخير الجناوني، فقد أجاز معاملة المخالفين معاملة حسنة غير أنه ينبغي أن يدعوا إلى ترك ما به ضلوا، فإن أصروا ناصبهم إمام المسلمين الحرب حتى يذعنوا للطاعة ولا يحل منهم غير دمائهم (٥).


(١) انظر: ((المقالات)) (١/ ٢٨٥، و (ص١٨٨) وانظر: ((الفرق بين الفرق)) (ص١٠٣).
(٢) ((المقالات)) (١/ ١٨٦) ومثله البغدادي (ص١٠٧).
(٣) انظر: ((الإباضية بين الفرق)) (ص٢٧،٢٨).
(٤) قطعة من ((كتاب في الأديان)) (ص٩٩).
(٥) كتاب ((الوضع)) للجناوني.

<<  <  ج: ص:  >  >>