للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الوارجلاني من علمائهم المشهورين فقد قضى على أمة أحمد بالهلاك والثبور، ولم ينج منهم إلا من كان على المذهب الإباضي، ويورد أدلة على ذلك واستشكالات، ثم يذكر جوابها مدعيا أن حديث افتراق الأمم قد نص على هلاك من عدا الإباضية، وأن السبب في بقاء الإباضية على الحق هو أنهم لم يقلدوا الآباء دون محاسبتهم كما كان الحال عند غيرهم، بل اتبعوهم تقييدا لا تقليدا. ومن تساؤلاته قوله: "فإن قال قائل: هذه أمة أحمد صلى الله عليه وسلم قد قضيتم عليها بالهلاك وبالبدعة والضلال، وحكمتم عليها بدخول النار ما خلا أهل مذهبكم. قلنا: إنما قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نحن بقوله حيث يقول: ((ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهن في النار ما خلا واحدة ناجية، كلهم يدعي تلك الواحدة)) (١).ولئلا يستعظم المستمع هذا الكلام جاء بما يجول في خاطره من أسئلة وأهمها ما ذكره بقوله: "فإن قال قائل: هذه أمة أحمد قد أصيبت باتباع أوائلها وما يدريكم لعلكم أنتم أيضا ممن أصيب باتباع أوائله، ولم قضيتم أن أوائلكم على الهدى وأوائل غيركم على الردى، وأوائلكم غير معصومين كأوائل غيركم؟ ". هذا سؤال ولا شك مهم، ولكن المؤلف قد أجاب بما لا مقنع فيه، أجاب بما حاصله أن الإباضية اتبعوا أوائلهم بعد المحاسبة لهم، وأن أوائلهم عولت على الوزن بالقسطاس المستقيم والبرهان القويم وهو الكتاب والسنة ورأي المسلمين، وذلك أنهم كانوا دائما مع الفرقة المحقة، ولا شك أن هذه الدعوى بطبيعة الحال تدعيها كل فرقة، وهذا ديدن أصحاب المذاهب، ولهم أن يفخروا بما يرون أنه من مفاخرهم، ولكن ماذا معهم من الفخر حين يفخرون بأنهم كانوا في جانب الجيش الذين قتلوا عثمان، ثم في جانب الجيش الذين خرجوا على علي؟! كما ذكر المؤلف (٢).وقد أورد صاحب (العقود الفضية) كثيرا من النصوص عن علمائهم تشهد بأن المذهب الإباضي هو خير المذاهب وأصوبها، لا يقبل الله من غيره أي مذهب، وأن من خالفه فليس له إلا النار وبئس المصير، ومن تلك النصوص ما جاء عن أبي الحسن علي بن محمد البسياني قوله: "فَحصْتُ الأديان ظهرا وبطنا فلم أجد دينا أصفى من ديننا، ولو علمنا غيره خيرا منه لما سمحنا لجهنم بأنفسنا إلى أن يقول: "فعلمنا أنه هو الدين الذي لا يرضى الله إلا به، لأنه مذهب منزه صريح صحيح واضح من طريق الشريعة لا من طريق اللغة" (٣).ومنها قول السالمي: "والله الذي لا إله إلا هو إن الحق لمع هذه العصابة" (٤). ومنها قول جاعد بن خميس بن مبارك الخروصي: "إني لأقسم بالله قسم من بر في يمينه فلا حنث، أن من مات على الدين الإباضي الصحيح غير ناكث لما عاهد الله عليه من قبل ولا مغير حقيقته، كلا ولا مبدل طريقته – أنه من السعداء، ومن أهل الجنة مع الأنبياء والأولياء، وأن من مات على خلافه فليس له في الآخرة إلا النار وبئس المصير" (٥).


(١) رواه ابن ماجه (٣٩٩٣) وأحمد (٣/ ١٢٠) (١٢٢٢٩) والطبراني في ((الأوسط)) (٨/ ٢٢) وأبو يعلى (٧/ ٣٢) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه, بلفظ: (ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا واحدة) قال العراقي في ((الباعث على الخلاص)) (١٦): إسناده صحيح, وقال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (١/ ٢٧): إسناده جيد قوي على شرط الصحيح, وقال السخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (٢/ ٥٦٩): رجاله رجال الصحيح, وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(٢) انظر: كتاب ((الدليل لأهل العقول)) (ص٣٥ إلى ٣٧).
(٣) ((العقود الفضية)) (ص١٦٩).
(٤) ((العقود الفضية)) (ص١٧٢).
(٥) ((العقود الفضية)) (ص١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>