للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول مؤلف (كشف الغمة) في تشنيعه على مخالفيهم: "ووجدنا من خالفنا يجمع بين الأضداد، ويساوي بين أهل الصلاح والفساد، ويجمع بين القاتل والمقتول، والظالم والمظلوم، فيتولونهم ويستغفرون لهم ... فهذا من أوضح السبل وأبين الأدلة وأقوى حجة على من خالفنا" (١).

ومن أجل كتبهم الفقهية عندهم وأكبرها كتاب (النيل وشفاء العليل)، هذا الكتاب يذكر فيه مؤلفه عن معاملة الإباضية لمخالفيهم بأنهم يعاملونهم على حسب ظاهر الفرق ومعتقداتها: "ويحكم فيهم بحكم التوحيد من دعاء إلى ترك ما به ضلوا، وما هم عليه من إظهار بدعتهم، ومن جواز مناكحتهم ومؤاكلة لذبائحهم والحج معهم".

أما الأئمة فإنهم يقفون منهم موقفا صلبا لا هوادة فيه، فالحكم فيهم أن "يبرأ من إمامهم وقائدهم وعسكرهم ومقويهم على خلافهم، وإن مؤذنا أو قاضيا؛ لما في ذلك من الآثار والأحاديث فيمن كثر سواد قوم فهو منهم، ومن ثم كره الغزو والجهاد معهم وحضور جوامعهم ومجالسهم".ثم يتطرق إلى مسائل فرعية لا ترتفع إلى درجة البراءة أو عدمها لتفاهة الخلاف فيها فيقول: "وهل يبرأ منهم بعلامات انفردوا بها كرفع اليدين وترك التسمية في الصلاة والقنوت فيها ونحو ذلك أو لا؟ قولان" (٢).ويذكر في موضع آخر بعض المسائل في الأسماء والصفات، وبعض المسائل الكلامية التي دانوا بها، وأن من خالفهم فيها "حل قتله"، وقد يستغرب السامع حينما تمر عليه تلك الخلافات الكلامية التي أحل المؤلف بها سفك دماء مخالفيهم، وذلك في قوله الآتي: "ومن قصد لخصلة مما دانوا به وخالفوا فيه غيرهم، كقدم الأسماء والصفات ونفي زيادتها على الذات، والرؤية، وحدوث الكلام، وإثبات الخلود والكسب للعبد، والخلق والأمر لله تعالى، وخطئها، أو ما اجتمعت عليه الأمة – حل قتله" (٣). ولكن يكون في دور الظهور والغلبة لهم لا في دور الكتمان.

وهكذا نجد بعض أصوات الإباضية ترتفع بمثل هذا التشدد في الحكم على مخالفيهم واستحلال دمائهم، والتبرؤ منهم مما لا يتفق مع ما هو معروف عن المذهب الإباضي من أنه أكثر مذاهب الخوارج تسامحا مع غيرهم من المسلمين، وهذا يدل على أن في الإباضية من قد خرج عن تلك التعاليم التي توحي إليهم بالتسامح مع مخالفيهم، ولين جانبهم معهم.

ومما تجدر الإشارة إليه أن أولئك العلماء الذين قدمنا ذكرهم، من أفاضل العلماء عند الإباضية ومن المعتبرين عندهم في المذهب من قدماء علمائهم، ولكن يبدو أن هذا الاتجاه المتشدد عندهم لم يكن هو السائد في الأوساط الإباضية، بل كان السائد هو التسامح، ولهذا اعتبر المذهب الإباضي – كما قلنا- أقرب المذاهب إلى الجماعة الإسلامية، وكان ذلك سببا في بقائه وبقاء أتباعه حتى الآن دون فرق الخوارج الأخرى.

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٤٩١


(١) ((كشف الغمة)) (ص٣٠٦).
(٢) ((النيل وشفاء العليل)) (٣/ ١٠٦١ – ١٠٦٢).
(٣) ((النيل وشفاء العليل)) (٣/ ١٠٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>