للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويذكر الأشعري والشهرستاني أن كثيرا من الإباضية قد توقفوا في إيلام أطفال المشركين في الآخرة "فجوزوا أن يؤلمهم الله سبحانه في الآخرة على غير طريق الانتقام، وجوزوا أن يدخلهم الجنة تفضلا".ولكن يختلف الشهرستاني معه في أسباب مجازاتهم بالنار، فالأشعري يذكر أنهم يقولون: إن الله يؤلمهم ولكن ليس على سبيل الانتقام (١)، والشهرستاني يقول: إنه على سبيل الانتقام. وعلى كل حال فإن كان على طريق الانتقام فما ذنبهم حتى ينتقم الله منهم؟! وإن كان على غير طريق الانتقام، فما الداعي لتعذيبهم بدون استحقاق منهم لذلك الانتقام؟! وهناك من الإباضية من يلحق أطفال المشركين بأطفال المؤمنين، فلا يتوقف فيهم، بل يقول إنهم من أهل الجنة وهو ما يقوله أطفيش في تعليقه على قول السالمي: "ولا نرى قتل الصغير من أهل قبلتنا ولا غيرهم". قال أبو إسحاق تعليقا على ذلك: "لأن حكم الأطفال أنهم من أهل الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((سألت الله في اللاهين فأعطيناهم خدما لأهل الجنة) وهذا رد لقول الخوارج إن الأطفال تبع لآبائهم مستدلين على زعمهم بقوله تعالى في قوم نوح: وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا حملا للآية على قاعدتهم" (٢).

وإزاء اختلاف الخوارج في الحكم على أطفال مخالفيهم على هذا النحو، نحب أن نعقب ببيان رأي علماء السلف في قضية أطفال المؤمنين الذين يعتبرهم الخوارج مخالفين لهم، وكذلك أطفال المشركين. أما أطفال المؤمنين فإن بعض أهل العلم يذهب إلى أن هؤلاء الأطفال إن كانوا كبارا وقد ماتوا على الإيمان؛ فإن الله تعالى يدخلهم الجنة مع آبائهم، وإن نقصت أعمالهم عنهم، لتقر أعين آبائهم بهم وإن كانوا صغارا فإنهم مع آبائهم في الجنة تفضلا من الله تعالى عليهم، دون أن ينقص دخولهم من عمل آبائهم شيئا (٣).وقد جزم الإمام أحمد بأنهم في الجنة باتفاق العلماء، يقول شمس الدين ابن القيم: "وأما أطفال المسلمين فقال الإمام أحمد: لا يختلف فيهم أحد، يعني أنهم في الجنة " (٤)، وهناك من يخالف هذا الحكم على أطفال المؤمنين، ويرى أنهم تحت المشيئة، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله. ويروي السيوطي عن عبدالله بن أحمد عن علي: قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمنين وأولادهم في الجنة؛ وإن المشركين وأولادهم في النار)) (٥).

والحكم على أطفال المؤمنين بالجنة ينقض ما ذهب إليه نافع بن الأزرق ومن على رأيه من الحكم عليهم بدخول النار، وجدير بالذكر أن أطفال المؤمنين الذين نتحدث عنهم هنا هم الذين يعتبرهم ابن الأزرق ومن على رأيهم أطفال مشركين، فمخالفوهم في نظرهم مشركون، كما تقدم، وأما أطفال المشركين الذين عند أهل الحق عبدة الأوثان ومن في حكمهم؛ فإن العلماء قد اختلفوا فيهم اختلافا كثيرا حاصله:١ - التوقف في أمرهم، فلا يحكم لهم بجنة ولا نار، ويقولون فيهم: ((الله أعلم ما كانوا عاملين)) (٦).

٢ - أنهم في النار.

٣ - أنهم في الجنة.


(١) ((المقالات)) (١/ ١٨٩، ((الملل والنحل)) (١/ ١٣٥).
(٢) نقلا عن ((الإباضية بين الفرق)) (ص٤٧٩).
(٣) انظر: ((التفسير القيم)) (ص٤٥١، ((فتح القدير)) (٥/ ٩٨، ((جامع البيان)) (٢٧/ ٢٥، ((الدر المنثور)) (٦/ ١١٩، ((حادي الأرواح)) (ص٢٧٩،٢٨١).
(٤) ((طريق الهجرتين)) (ص٣٨٧).
(٥) ((الدر المنثور)) (٦/ ١١٩) والحديث رواه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على ((المسند)) (١/ ١٣٤) (١١٣١) قال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (٣/ ٦٤٢) منكر. وقال الهيثمي في ((المجمع)) (٧/ ٢١٧): فيه محمد بن عثمان ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(٦) رواه البخاري (١٣٥٨)، ومسلم (٢٦٥٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>