للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا لم يكن للأطفال من المسلمين ما يدعو إلى ولايتهم، فليس لهم من الكفر ما يدعو إلى البراءة منهم، كما ذهب إليه ابن أبي الصلت، وهذا هو ما يدعو إلى التوقف التام في شأنهم. وهذا الموقف هو نفسه موقف فرقة الثعالبة، فهم يقولون: "ليس لأطفال الكافرين ولا لأطفال المؤمنين ولاية ولا عداوة ولا براءة حتى يبلغوا فيدعوا إلى الإسلام فيقروا به أو ينكروه" (١)، وظاهر هذا الكلام أنهم توقفوا في الحكم فيهم. ولكن الأشعري بعدما ذكر ما سبق عنهم، عاد فقال بعد قليل من كلامه السابق: "ومن قول الثعالبة في الأطفال: إنهم يشتركون في عذاب آبائهم، وأنهم ركن من أركانهم، يريدون بذلك أنهم بعض من أبعاضهم" (٢). فكيف يتم هذا الحكم مع ما نقله عنهم من قولهم السابق بالتوقف في شأنهم قبل البلوغ؟! إلا أن يكون ذلك التوقف في الدنيا وأما في الآخرة فإنهم يوجبون لهم النار، وإلا لكان تناقضا في النقل عنهم. ولقد كان القول بولاية الأطفال أو عدمه قبل البلوغ هو السبب في انشقاق ثعلبة عن عبدالكريم بن عجرد زعيم العجاردة، فقد كان عبدالكريم يرى القول بالبراءة من الأطفال قبل البلوغ، بينما ثعلبة كان يقول: "نحن على ولايتهم صغارا وكبارا إلى أن يتبين لنا منهم إنكار للحق" (٣).ولكن أغلبية العجاردة فيما يظهر مختلفون في حكم الأطفال، فالذي عليه أكثرهم هو وجوب البراءة منهم قبل البلوغ، ووجوب دعوتهم إلى الإسلام حين بلوغهم، بل يذكر البغدادي أنهم مجمعون على هذا القول (٤)، أما الأقلية منهم فقد توقفوا فيهم إلى أن يبلغوا سن الرشد ويلفظوا بالإسلام، وهذه الطائفة منهم ذكرها ابن حزم (٥).٤ - وآخر أقوال الخوارج في هذا المقام هو ما يذهب إليه الإباضية، فقد تولوا أطفال المسلمين وتوقفوا في أطفال المشركين فلم يحكموا لهم بنعيم أو جحيم، يقول قطب أئمتهم: "منا من توقف في أطفال المشركين، ومنا من يقول إنهم في الجنة" (٦).ويقول ابن جميع منهم: "وولاية أطفال المسلمين، وأما أطفال المشركين والمنافقين فالوقوف فيهم" (٧).

ويقول صاحب (كتاب الأديان): "قال أبو محمد أيده الله: اختلفت أصحابنا في أطفال المشركين والمنافقين على قولين: فقالت طائفة منهم: حكمهم في الدنيا والآخرة حكم آبائهم قياسا على حكم أولاد المؤمنين"

إلى أن يقول عن هذه الطائفة: "وقالوا: لما كان أطفال المؤمنين يتنعمون مع آبائهم بالاتفاق، ولم يعملوا عملا صالحا يجاوزون عليه، جاز أن يعذب أطفال المشركين والمنافقين بما لم يعملوا، ولله أن يفعل ما يشاء وهو على كل شيء قدير. وقالت الفرقة الأخرى: أطفال المؤمنين ينعمون مع آبائهم"

ثم وقفت هذه الفرقة في أطفال غير المؤمنين قالوا: لأن الله سبحانه لم يتعبدنا بأن نعلم بأنهم في الجنة أو في النار، فلما كان القول فيهم مما يسع جهله، وكانت الأخبار الواردة فيهم مختلفة أحكامها في الظاهر، رأينا الاعتصام بالسكوت عن حكمهم ورأينا الوقوف أسلم في أمرهم".ثم قال مؤلف هذا الكتاب: "وعلى هذا المذهب الأخير أدركنا أشياخنا رحمهم الله" (٨).


(١) ((المقالات)) (١/ ١٨٠).
(٢) ((المقالات)) (١/ ١٨٢).
(٣) ((الفرق بين الفرق)) (ص١٠١).
(٤) ((الفرق بين الفرق)) (ص٩٤، ((الأديان والفرق)) (ص١٠٤).
(٥) ((الفصل)) (٤/ ١٩١).
(٦) انظر: ((الإباضية بين الفرق)) (ص٤٨٤).
(٧) ((مقدمة التوحيد)) (ص١١).
(٨) ((الأديان والفرق)) (ص٢٢ - ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>