للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - وأما قول الخوارج ببراءة أطفال مخالفيهم فهو قول النجدات، أتباع نجدة ابن عامر، فإنهم كانوا لا يرون قتل الأطفال بل يرونهم معذورين بصغرهم عن تحمل التبعات التي تقع على آبائهم، ويظهر من كتاب نجدة الذي كتبه إلى نافع أنه كان يرى أن قتل الأطفال ليس من صفات الرحماء الذين مدحهم الله في كتابه، وأن القائد ينبغي عليه التمسك بالعدل وإنصاف المظلوم، وقتل هؤلاء الأطفال ظلم وإغواء من الشيطان. فمما جاء فيه قوله يعاتبه: "ثم استحللت قتل الأطفال، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم، وقال جل ثناؤه: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: ١٤٦] ,". فأجابه نافع بقوله: "وأما أمر الأطفال فإن نبي الله نوحا كان أعرف بالله يا نجدة مني ومنك: وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا [نوح: ٢٦، ٢٧]، فسماهم بالكفر وهم أطفال، وقبل أن يولدوا، فكيف جاز ذلك في قوم نوح ولا يجوز في قومنا؟! والله يقول: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ [القمر: ٤٣] " (١).ومثل النجدات في هذا الرأي ما يذهب إليه الصفرية، فإنهم لا يجوزون قتل أطفال مخالفيهم كما تفعل الأزارقة، يقول البغدادي: "غير أن الصفرية لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ونسائهم، والأزارقة يرون ذلك" (٢). وهذا الحكم عام عندهم حتى في أطفال المشركين، فلم يروا قتلهم، وبالتالي فإنهم لا يجوزون القول بأنهم في النار، وفي ذلك يقول عنهم الشهرستاني: "ولم يحكموا بقتل أطفال المشركين وتكفيرهم وتخليدهم في النار" (٣).ويصفهم الأشعري بأنهم: "لا يوافقون الأزارقة في عذاب الأطفال" (٤) بل يحرمونه، وقد كان هذا الحكم ناتجا عن رأيهم فيهم في الدنيا وأنهم معذورون بصغرهم الذي يوجب عدم مؤاخذتهم بما يؤاخذ به الكبار. وقريب مما ذهب إليه النجدات والصفرية قول من يذهب إلى الجزم بأن الأطفال على أي اعتقاد كان كلهم في الجنة، وهذه الفرقة القائلة بهذا القول هي فرقة الميمونة اتباع ميمون الذي كان يقول: "إن أطفال المشركين والكفار كلهم في الجنة، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)) (٥) ومن الغريب أن ميمونا كان يدين بقول القدرية، ولكنه "زعم مع ذلك أن أطفال المشركين في الجنة" (٦)، كما يذكر البغدادي والشهرستاني.٣ - وأما الذين توقفوا من الخوارج في أمر أطفال مخالفيهم فهم فريق من الصلتية حيث لم يجدوا في الأطفال ما يوجب ولايتهم ولا عدواتهم إلى أن يبلغوا، وفي ذلك يقول الشهرستاني عنهم: "ويحكى عن جماعة منهم (أي الصلتية) أنهم قالوا ليس لأطفال المشركين والمسلمين ولاية ولا عداوة حتى يبلغوا فيدعوا إلى الإسلام فيقروا أو ينكروا" (٧).ولعل هذا الفريق من الصلتية أوضح في التوقف في أمر الأطفال من زعيمهم عثمان بن أبي الصلت الذي كان يقول: "إذا استجاب لنا الرجل وأسلم توليناه وبرئنا من أطفاله؛ لأنه ليس لهم إسلام حتى يدركوا فيدعوا إلى الإسلام فيقبلونه" (٨).


(١) ((العقد الفريد)) (٢/ ٣٩٧،٣٩٨).
(٢) ((الفرق بين الفرق)) (ص٩١).
(٣) ((الملل والنحل)) (١/ ١٣٧).
(٤) ((المقالات)) (١/ ١٨٢).
(٥) رواه البخاري (١٣٨٥)، ومسلم (٢٦٥٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٦) ((الفرق بين الفرق)) (ص٢٨٠، ((الملل والنحل)) (١/ ١٢٩).
(٧) ((الملل والنحل)) (١/ ١٢٩).
(٨) ((المقالات)) (١/ ١٧٩، ((الفرق بين الفرق)) (ص٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>