للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد روى مسلم، بسنده عن يحيى بن يعمر، قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة، معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبدالرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوافق لنا عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: يا أبا عبدالرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف قال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبدالله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم ساق حديث جبريل الطويل المعروف المشهور وسؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان والساعة. يقول الشهرستاني: "أما الاختلافات في الأصول فحدثت في آخر أيام الصحابة بدعة معبد الجهني وغيلان الدمشقي، ويونس الأسواري، في القول بالقدر، وإنكار إضافة الخير والشر إلى القدر (١).ثم ظهر القول بخلق القرآن ونفي الصفات على يد الجعد بن درهم، قال بن كثير: "كان الجعد بن درهم من أهل الشام وهو مؤدب مروان الحمار – مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية – ولهذا يقال له: مروان الجعدي – فنسب إليه -، وهو شيخ الجهم بن صفوان، الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية الذين يقولون أن الله في كل مكان بذاته" (٢).وقد روى الإمام البخاري – رحمه الله – في (خلق أفعال العباد) أن خالد بن عبدالله القسري، قام بواسط في يوم أضحى وقال: "ارجعوا فضحوا تقبل الله منكم فإني مضح بالجعد بن درهم زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله علواً كبيراً عما يقول الجعد بن درهم ثم نزل فذبحه" (٣)، وكان كذلك عام ١٨٨هـ تقريباً (٤).

وفي مقابل غلو الخوارج برز قرن المرجئة والكلام في الإيمان وظهر الكلام في الإرجاء، وإخراج العمل عن مسمى الإيمان، وأول من أظهر هذا القول، ذر ابن عبدالله الهمداني.

روى أن إبراهيم النخعي أنه كان يقول لذر: ويحك يا ذر ما هذا الدين الذي جئت به، قال ذر: ما هو إلا رأي رأيته. قال: ثم سمعت ذراً يقول: إنه لدين الله الذي بعث به نوح (٥).

وقيل أول من أحدث الإرجاء وتكلم في مسألة الإيمان قيس الماصر، نقل الحافظ ابن حجر ذلك عن الأوزاعي قال: أول من تكلم في الإرجاء رجل من أهل الكوفة يقال له قيس الماصر.


(١) ((الملل والنحل)) (ص: ٢٨).
(٢) ((البداية والنهاية)) ابن كثير (١٥/ ١١).
(٣) ((خلق أفعال العباد)) (ص: ١٢).
(٤) انظر ((الأعلام)) (٢/ ١٢٠).
(٥) عبدالله بن الإمام أحمد ((السنة)) (ص: ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>