للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو ها هنا يؤكد أمرين: الأول: فهم الصحابة رضي الله عنه للقرآن الكريم وعلمهم بتأويله إذ عليهم نزل، بخلاف الخوارج الذين قرؤوا القرآن فظنوا أنهم ساووا الصحابة في الفهم، فبين ميزة الصحابة وتفردهم بنزول القرآن بين أظهرهم. الثاني: بيان جهل الخوارج، وإظهار حقيقتهم، وأنه ليس فيهم صحابي واحد، فبهذه المقدمة قرر أمرين: عمق علم المعترض عليهم، والذي يقتضي قوة حجتهم وقوة موقفهم، جهل المخالفين المعترضين مما يضعف موقفهم.١١ - للمناظر أن يشترط على الخصم إن هو أفحمه وأقام عليه الحجة أن يرجع عن قوله، ويقر بخطئه (١)، لذلك قال ابن عباس: "أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله ... أترجعون؟ قالوا: نعم "فاشترط عليهم وقبلوا، وهذا من إقامة الحجة عليهم.١٢ - من طرق إحكام الرد وإفحام الخصم: الاستدلال على جواز أصل ما اعترضوا عليه، والاستدلال بما يحتجون به، إذ كانوا معترضين على تحكيم الرجال في أمر الله مطالبين بتحكيم الكتاب، فبين لهم أن الله عز وجل قد صير حكمه إلى الرجال في مسائل، فينبغي ألا يعارض حكم الله في تحكيم الرجال، ولو اعترضوا لصاروا هم المخالفين لحكم الله، فنقض شبهتهم وقلبها عليهم (٢).١٣ - من طرق إحكام الردود وإفحام الخصم: استخدام القياس وذلك لما قال لهم "أحكم الرجال في إصلاح ذات البين، وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب" وقال: "أفضل من حكمهم في بضع امرأة"؟! وهذا من أحسن القياس وأوضحه (٣).١٤ - من طرق إحكام الردود وإفحام الخصم: نقض حجة الخصم بأن يمثل لقوله بمثال هو باطل عنده، ليعلم الخصم أن بطلان قوله كبطلان ما مثله به (٤)، وذلك حينما رد عليهم ابن عباس لما قالوا: "قاتل ولم يسب ولم يغنم"، فهذا أمر عام جاء له بمثال هم يبطلونه فقال: "أفتسبون أمكم عائشة تستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟ ... " (٥) ثم بين لهم اللوازم الباطلة التي تلزم من قولهم هذا، فدل على بطلان الملزوم.١٥ - إحكام النقض، للشبه المعروضة، وكشف زيفها وتصييرها هباء منثورا (٦)، فهذا ابن عباس رضي الله عنه قد أحكم نقض شبههم وقررهم بذلك.١٦ - حسن الصياغة بالتزام اللسان العربي الفصيح، والإتيان بالكلام الطيب بعيدا عن الشتم والفظاظة في الرد، والاقتصاد في السياق، فيؤتى بالألفاظ على قدر المعاني دون تطويل لا حاجة له، أو تكرار يخل ويمل (٧). ولقد كان ابن عباس رضي الله عنه حسن الصياغة بكل معاييرها في هذه المناظرة فتأمل.

١٧ - التنبيه إلى وجوب النظر إلى حقيقة الأمر وإلى واقع الحال، والبعد عن السطحية والغلو، فقال في جوابه عن الاعتراض الأخير في مسح علي اسم الإمرة في كتاب التحكيم، "ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه عن النبوة".


(١) انظر ((الفقيه والمتفقه)) (٢/ ٥٣)، ((مناظرات أئمة السلف)) (٧٧).
(٢) انظر ((الفقيه والمتفقه)) (٢/ ٥٦)، ((مناظرات أئمة السلف)) (٧٣).
(٣) انظر ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (١/ ٢١٣، ٢١٥).
(٤) انظر ((الفقيه والمتفقه)) (٢/ ٥٥)، ((مناظرات أئمة السلف)) (٧٣).
(٥) رواه عبد الله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (١/ ٣٤٢) (٣١٨٧)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٥/ ١٦٧)، وعبدالرازق في ((المصنف)) (١٠/ ١٥٧)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (١/ ٣١٨)، وابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (٢/ ٣٦٢). قال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (٧١١): حسن.
(٦) انظر ((الرد على المخالف)) (٦٥).
(٧) انظر ((الفقيه والمتفقه)) (٢/ ٢٧ - ٢٨)، ((الرد على المخالف)) (٦٧ - ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>