للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما عزم علي بن أبي طالب على قتال الخوارج وأراد السير إليهم بين للمسلمين مبررات قتالهم، وأعلمهم بحكم هذا القتال ووجوبه، وبشرهم بالأجر الجزيل لمن يقاتل الخوارج كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء. يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)) (١)، لو يعلم الجيش الذي يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لاتكلوا عن العمل. وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد وليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام (٢) وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم. والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم الله. يقول زيد بن وهب الجهني (٣)، وكان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه لقتال الخوارج: مررنا على قنطرة (٤). فلما التقيا وعلى الخوارج يومئذ عبدالله بن وهب الراسبي، فقال لهم: ألقوا الرماح وسلوا سيوفكم من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء. فرجعوا فوحشوا برماحهم (٥)، وسلوا السيوف، وشجرهم الناس برماحهم (٦). قال: وقتل بعضهم على بعض وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان. فقال علي رضي الله عنه: (التمسوا منهم المخدج، فالتمسوه فلم يجدوه. فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض، قال: أخروه، فوجدوه مما يلي الأرض. فكبر ثم قال: صدق الله وبلغ رسوله ... الحديث) (٧).فالصحابة رضي الله عنهم بينوا للناس مبررات قتالهم للخوارج، وشجعوهم على ذلك، وبينوا الأجر العظيم في قتالهم. بل إن عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما كان يجزل العطايا من الأموال لمن يقاتلهم (٨).


(١) رواه مسلم (١٠٦٦).
(٢) كان علي رضي الله عنه وأصحابه قد أعدوا جيشا للقاء معاوية وأهل الشام وردهم إلى الطاعة، ولكن لما أفسد ((الخوارج)) في العراق وسفكوا الدم الحرام، خطب علي جيشة وسار بهم إليهم، وكانت موقعة النهروان. انظر ((تاريخ الطبري)) (٣/ ١٧ - ١٢١).
(٣) هو: زيد بن وهب أبو سليمان الكوفي من أجلة التابعين وثقاتهم، متفق على الاحتجاج به. هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبض وزيد في الطرق، مات حوالي سنة ٩٠هـ. انظر ((ميزان الاعتدال)) (٢/ ١٠٧)، ((التقريب)) (١/ ٢٧٧).
(٤) هي قنطرة الدبرجان وهناك خطبهم علي رضي الله عنه. انظر ((شرح صحيح مسلم)) (٧/ ١٧٢).
(٥) فوحشوا برماحهم: أي: رموا بها عن بعد. انظر ((شرح صحيح مسلم)) (٧/ ١٧٢).
(٦) شجرهم الناس: أي: مددوها إليهم وطاعنوهم بها، انظر ((صحيح مسلم)) (٧/ ١٧٢).
(٧) رواه مسلم (١٠٦٦).
(٨) انظر ((تاريخ ابن خلدون)) (٣/ ١٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>