للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما عن سنة الصحابة رضي الله عنهم في قتالهم الخوارج فتتضح من خلال ما فعله علي رضي الله عنه والصحابة معه حينما قاتلوهم في النهروان، ويمكن تلخيص شيء منها في الآتي:١ - إن الخوارج لا يبدءون بقتال، ولا يعتدى عليهم بالقتل ما داموا فقط يرون رأي الخوارج، ولا يقاتلون حتى يقتلوا المسلمين أو يقطعوا السبيل حينها يجب على ولي الأمر ردعهم وقتالهم (١).٢ - يجب إقامة الحجة عليهم، وتقديم النصح لهم، ووعظهم قبل بدئهم بالقتال (٢).قال الطبري: "لا يجوز قتال الخوارج وقتلهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم بدعائهم إلى الرجوع إلى الحق، والإعذار إليهم" (٣).

٣ - إعطاء الأمان لمن يستسلم ويرجع عن باطله وضلاله، ولم يتعرض لقتل المسلمين.٤ - لا يجهز على جريحهم، ولا يتبع مدبرهم – إلا إن كان فارا يتقوى – ولا يسبى منهم سبي، إذ لم يعاملهم علي معاملة الكفار المرتدين، ولم يعاملهم معاملة أهل البغي كأهل الجمل وصفين، بل جعلهم قسما ثالثا (٤).٥ - لذلك أخذ ما كان في ساحة المعركة من سلاح وكراع وقسمه بين أصحابه، وهذا لم يفعله مع أهل الجمل. كما أنه لم يأخذ كل أموال الخوارج كالكفار المرتدين، بل أخذ ما كان في ساحة المعركة (٥).

٦ - الاستمرار في قتال الخوارج ما قاتلوا وأفسدوا وخرجوا على المسلمين بالسيف، ولا يكف عنهم حتى يكفوا عن المسلمين. فعلي رضي الله عنه بعد النهروان خرج عليه جماعات من الخوارج فقاتلهم، وكذلك فعل معاوية رضي الله عنه (٦).٧ - إن فرت جماعات من الخوارج لتتقوى وتخرج فإنهم يطاردون لتستأصل فلولهم، وتقهر قوتهم، وتكسر شوكتهم (٧).

مسألة:

أ- ما حكم الواحد المقدور عليه إن كان على رأي الخوارج؟

يختلف حكمه باختلاف حاله، ولولي الأمر أن يتعامل معه حسب خطره، وحسب مصلحة المسلمين، فله حبسه أو قتله، أو تخلية سبيله.

يقول ابن تيمية رحمه الله: "فأما قتل الواحد المقدور عليه من الخوارج كالحرورية، والرافضة ونحوهم فهذا فيه قولان للفقهاء، هما روايتان عن الإمام أحمد، والصحيح أنه يجوز قتل الواحد منهم كالداعية إلى مذهبه ونحو ذلك ممن فيه فساد ... فإذا لم يندفع فسادهم إلا بالقتل قتلوا. ولا يجب قتل كل واحد منهم إذا لم يظهر هذا القول، أو كان في قتله مفسدة راجحة" (٨).

- ما الحكم إذا تاب الخارجي وأراد الرجوع إلى الحق، فما الحكم فيما سفك من دم أو سلب من مال؟ سئل الإمام أحمد بن حنبل عن ذلك فقال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، فرأوا أن يهدر كل دم أصيب على تأويل القرآن. قيل له: مثل الحرورية؟ قال: نعم، قال: فأما قاطع طريق فلا" (٩). واستثنى من ذلك أن يوجد المال قائما بعينه فإنه يعاد إلى أصحابه (١٠).

المصدر:الصحابة بين الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص٤٦٧


(١) انظر ((فتح الباري)) (١٢/ ٢٩٩)، ((شرح السنة)) للبربهاري (٧١)، ((الأحكام السلطانية)) لأبي يعلى محمد الفراء (٥٤).
(٢) وهكذا فعل علي رضي الله عنه، انظر ((تاريخ الطبري)) (٣/ ١٢٠، ١٢٥)، ((الأحكام السلطانية)) (٥٤).
(٣) انظر ((فتح الباري)) (١٢/ ٢٩٩).
(٤) انظر ((شرح السنة)) للبربهاري (٧١)، ((الفتاوى)) (٢٨/ ٢٨١).
(٥) انظر ((تاريخ الطبري)) (٣/ ١٢١)، ((الفتاوى)) (٢٨/ ٢٧٥، ٢٨١، ٢٥٣).
(٦) انظر ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٢١١).
(٧) انظر ((تاريخ ابن خلدون)) (٣/ ١٤٢،١٤٣).
(٨) انظر ((الفتاوى)) (٢٨/ ٢٧٣)، انظر ((التنبيه والرد)) للملطي (١٨٣)، ((فتح الباري)) (١٢/ ٢٩٩)، ((تاريخ الطبري)) (٣/ ١٢٣)، ((تاريخ ابن خلدون)) (٣/ ١٤٣) وقصة علي مع البزار بن الأخنس.
(٩) انظر ((السنة للخلال)) (١٥٢).
(١٠) ((السنة للخلال)) (١٥٥، ١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>