للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ظلوا كذلك إلى أن بدأوا يحسون بالظلم من قبل ولاة الخليفة هشام وأسوأهم سيرة كان عبيد الله بن الحبحاب من قبل هشام، الذي كان جل اهتمامه في جمع الأموال والتحف وبعثها إلى دمشق لإرضاء الخليفة هناك كغيره من ولاة تلك المناطق.

وصادفت هذه المحنة وجود دعاة الخوارج بينهم فكانوا كلما دعوهم إلى الخروج على الخلافة الأموية بسبب ما يفعله ولاتهم من مظالم يتأبون عن الاستجابة لهم قائلين: إن هذا ليس ذنب الخليفة حتى نختبره، فيقول لهم دعاة الخوارج: إن هؤلاء العمال لا يقدمون إلا بأمر من الخليفة نفسه، فلم يقبلوا منهم. وهكذا ظلوا كلما دعاهم الخوارج قالوا: " إنا لا نخالف الأئمة بما تجني العمال ولا نحمل ذلك عليهم، فقالوا لهم: إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك، فقالوا لهم: لا نقبل ذلك حتى نبورهم " أي نختبرهم.

وأخيرا وبعد أن طفح الكيل خرج بضعة عشر يرأسهم ميسرة المطغري متوجهين إلى دمشق ليشكوا ما حل بهم إلى الخليفة هشام، إلا أنه لسوء الحظ لم يقابلهم بل احتجب عنهم إلى أن نفذت نفقاتهم، فعزموا على الرجوع إلى بلادهم وهنا ذهبوا إلى الأبرش وحملوه رسالة منهم ليؤديها إلى هشام كالإعذار لما سيفعلونه فيما بعد، جاء في هذه الرسالة:

" أبلغ أمير المؤمنين أن أميرنا يغزو بنا وبجنده فإذا أصاب نفلهم دوننا، وقال هم أحق به؛ فقلنا: هو أخلص لجهادنا لأنا لا نأخذ منه شيئا، إن كان لنا فهم منه في حل وإن لم يكن لنا لم نرده، وقالوا إذا حاصرنا مدينة قال: تقدموا، وأخر جنده: فقلنا: تقدموا فإنه ازدياد في الجهاد ومثلكم كفى إخوانه، فوقيناهم بأنفسنا وكفيناهم، ثم إنهم عمدوا إلى ماشيتنا فجعلوا يبقرونها على السخال يطلبون الفراء الأبيض لأمير المؤمنين فيقتلون ألف شاة في جلد، فقلنا: ما أيسر هذا لأمير المؤمنين، فاحتملنا ذلك وخليناهم وذلك، ثم إنهم سامونا أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا، فقلنا: لم نجد هذا في كتاب ولا سنة ونحن مسلمون فأحببنا أن نعلم أعن رأي أمير المؤمنين ذلك الإمام لا. فأخذ الأبرش هذه الرسالة وقال: نفعل، وأخيرا ولما يئسوا من الوصول إلى هشام ويئسوا من إنصافهم كتبوا أسماءهم وأنسابهم وأعطوا الوزراء قائلين لهم: " هذه أسماؤنا وأنسابنا فإن سألكم أمير المؤمنين عنا فأخبروه " (١)، ثم رجعوا.


(١) انظر ((تاريخ الطبري)) (٤/ ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>