وبعد خلف جاء ثائر آخر هو فرج بن نصر النفوسي المعروف (بنفاث) والذي تنسب إليه فرقة النفاثية من الإباضية وكان له اطلاع في العلم، إلا أنه أخرجه الغضب لنفسه إذ لم يول ولاية في دولة أفلح حسب ما تقول مصادر الإباضية، وهذا لا ينفي أن تكون ثورته انتقاما من حكم الرستميين الذين جعلوا الخلافة وراثية ولكنه لم تكن له شوكة أو منازلة مع جيش أفلح بل كان خروجه بمجرد الكلام فقط، وأخيرا غمض أمره وانتهى دوره إلى أن حانت وفاة الإمام أفلح وكان المرشح لتوليها بعده هو ابنه ابن اليقظان محمد بن أفلح، إلا أنه حين وفاة والده كان مسجونا في بغداد وذلك أنه كان قد اختطف في حجه وأودع سجن بغداد، فبايع الناس بعد وفاة أفلح ابنه أبا بكر بن أفلح، إلا أنه لم يكن مرضيا من جميع الناس، ووقعت فتن في عهده وحروب أهلية.
وقد عاد ابن اليقظان من بغداد إثر إطلاقه من السجن فنظم الأمور وأحبه الناس فتمت بيعته سنة ٢٤١هـ، واجتمعت عليه الكلمة وأتته وفود البيعة من كل أرجاء مملكته واستتب الأمن وكثر الرخاء إلى أن توفي سنة ٢٨١هـ.
وبعد وفاته بايع الإباضية ابنه أبا حاتم يوسف بن محمد باتفاق الكافة ولم ينكر أحد في الظاهر أي أمر، إلا أنه كان في نفوس بعض الناس ميل عنه ومنهم عمه يعقوب بن أفلح إلا أنه لم يحرك ساكنا حينئذ، ثم حدثت فتنة بعد ذلك بقيادة بعض المشايخ مسموعة الكلمة وتطور الخلاف إلى أن أصبح لا يمكن حله إلا بالمعركة، وجمع كل فريق ما عنده من قوة استعدادا لخوض الحرب.
وقد استدل أهل مدينة تيهرت زعامتهم إلى عم أبي حاتم السابق الذكر يعقوب بن أفلح بينما كان الإمام محاصرا لها من خارجها ولم يبق إلا الدخول في المعركة، فابتدأت رحاها بين الإمام وعمه فأهرقت الدماء وتقطعت السبل وعاش الناس في أشد الضيق، إلى أن توسط بعض أهل الإصلاح بين الإمام وعمه لعقد هدنة وصلح على أن يقف كل منهما عن منازعة الآخر مدة أربعة أشهر حتى ينظر الناس في أمورهم ورجاء ما يمن الله به من حسن تدبيره.
وقد حدث في أثناء هذه المدة أن استمال الإمام كثيرا من الناس ووعدهم ومناهم إلى أن مال إليه أكثر أهل المدينة (مدينة تيهرت)، فرأى يعقوب ومن معه من خاصته أن الخطر قد أحدق بهم وهنا قرروا الهرب إلى طرابلس التي كانت الفتنة فيها وفي جبل نفوسة على أشدها ليكونوا على بعد عن الإمام.
وهنا دخل الإمام المدينة بعد أن كان مقيما خارجها في أثناء تلك الأربعة الأشهر وصفي له الجو في تيهرت وما حولها، باستثناء طرابلس ونفوسة وما حولهما فقد وقعت فيها بعض الفتن الداخلية ثم أعقبهم نزول جيش إبراهيم بن الأغلب التابع للخلافة العباسية فقتل أهل نفوسة قتلا ذريعا وانهزموا شر هزيمة.
ومن هنا بدأ نجم دولة الإباضية الرستمية في الأفول شيئا فشيئا إلى أن توفي الإمام أبو حاتم سنة ٢٩٤هـ مقتولا على يد أبناء أخيه باتفاق تم بينهم للاستيلاء على الحكم، وشايعهم على هذا بعض الناس فقتلوه ثم تولى بعده اليقظان بن أبي اليقظان وهو ابن أخيه، وبمجرد توليه بدأ انقراض دولة بني رستم على يد الشيعة وذلك على يد عبيد الله الشيعي وظهور دعوته في المغرب، فقد احتل مولاه ويكنى بأبي عبد الله الحجاني تيهرت العاصمة الإباضية وقضى على أسرة بني رستم وانتهى أمرهم وذلك في سنة ٢٩٦هـ، فرثاهم علماء الإباضية بالمراثي المحزنة ورثوا تيهرت وما أصابها من خراب بعد بني رستم.
المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص١٧٧