للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يجاور دولته دولة الصفرية التي اتخذت سجلماسة عاصمة لها حين تكونت سنة ١٤٠هـ، وقد تمت بين عبد الرحمن وملك الصفرية علاقة مصاهرة إذ تزوج ابن ملك الصفرية، ويسمى مدارا، بكريمة عبد الرحمن وبذلك أمن ذلك الجانب، ولولا تلك المصاهرة لجرى بينهم من الحروب والفتن الشيء الكثير وهذا من حنكة عبد الرحمن ومهارته في الأمور. وقد استمر الحال بالإباضية هناك في هدوء واستقرار إلى أن توفي عبد الرحمن الرستمي سنة ١٧١ تقريبا، " وكي يضمن استمرار ذلك الاستقرار لدولته أوصى قبل وفاته بتعيين مجلس شورى يختار إمام الدولة من بين أعضائه " (١). فبايع الإباضية بعده ابنه عبد الوهاب بن عبد الرحمن الرستمي في هذا التاريخ، فاجتمعت عليه كلمة الإباضية وأحبوه لما امتاز به من الصلاح والحزم ولم ينقموا عليه أمرا إلا ما كان من ابن فندين وهو ممن بايعه فإنه خرج عنه غاضبا؛ لأنه لم يشركه في حكمه ولم يسند إليه منصبا وهذا تعليل الإباضية لخروجه عن طاعة عبد الوهاب، ولكن هذا التعليل ينفيه بعضهم ويرى أنه من صنع الإباضية لتشويه مطلب ابن فندين في حمل الإمام على اتخاذ مجلس شورى يأخذ برأيه وأسباب أخرى غير هذا (٢).ثم انضم إلى ابن فندين ثائر آخر من الإباضية الطامعين في الحكم وهو شعيب المصري حسب ما تقول مصادر الإباضية، ويقول غيرهم بأن هذا الحكم على شعيب " مبالغ فيه والأقرب للتصديق أنه توجه لنصح عبد الوهاب وإنهاء الخلاف في تاهرت، فلما لم يجبه انضم إلى ابن فندين " (٣).

وحينذاك دبر هذا الرجلان الثورة لنزع الحكم من عبد الوهاب فأنشبوا معركة على أبواب عاصمة الإباضية بتيهرت انهزم فيها الثوار وقتل ابن فندين؛ وهرب شعيب إلى طرابلس ناقما على الإمام مظهرا البراءة منه، فلما وصلت هذه الأخبار إلى علماء الشرق من الإباضية أجمعوا على البراءة منه ومن ابن فندين. وبموت ابن فندين اختفت المشاكل التي كانت شاغلة لعبد الوهاب وهدأت الأمور، ولكن هذا الهدوء كدرته ثورة أخرى قام بها قبائل من البربر تدين بالاعتزال وأكثرهم من قبيلة زنانة، التحموا معه في معركة طلب فيها من الثائرين عقد هدنة للنظر في الأصلح من الأمور فعقدت الهدنة وهنا كتب الإمام إلى أهل جبل نفوسة طالبا منهم المدد، ولما جاءه ما طلب التحم معهم في معركة أخرى انتصر فيها الإمام وظفر بتلك الطائفة من الواصلية المعتزلة وأذعنوا بالطاعة، وكانت تنشأ بين الحين والآخر بعض الانشقاقات فلا تلبث أن تنتهي. وامتد سلطان الإمام إلى طرابلس وما حولها وقد دامت خلافته ١٩ سنة إذ توفي في سنة ١٩٠هـ تقريبا، وهو الصحيح عند الباروني من بين الأقوال التي قيلت في ذلك (٤)، تاركا وراءه ثورة خلف بن السمح في اشتعال. وبعد وفاة عبد الوهاب بايع الإباضية ابنه أفلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن الرستمي، فأمر أبو عبيدة وكان واليا من قبل عبد الوهاب على طرابلس بمحاربة خلف، وبعد مراسلات بينهما لم تجد نفعا التحموا في معركة انتصر فيها أبو عبيدة، وكانت تلك المعركة في ١٣ من شهر رجب سنة ٢٢١هـ، إلا أن هذه المعركة لم تنه عصيان خلف بل ثار مرة ثانية بعد وفاة أبي عبيدة وتولية العباس بن أيوب مكانه فراسل خلفا لإعادته إلى الطاعة، ولما لم تفلح معه المراسلة تقابلوا في معركة انهزم فيها خلف وتفرق جمعه ومات بعد ذلك منكسرا (٥).


(١) ((الخوارج في المغرب الإسلامي)) (ص١١٤).
(٢) راجع: ((الخوارج في المغرب الإسلامي)) (ص١١٧).
(٣) ((الخوارج في المغرب)) (ص١١٧).
(٤) ((الأزهار الرياضية)) (٢/ ١٦٣).
(٥) ((الخوارج في المغرب الإسلامي)) (ص١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>