للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم ير أهل السنة أن إثبات الصفات يؤدي إلى التشبيه لمعرفتهم أن الاتفاق في التسمية لا يستلزم الاتفاق في الذات، فالله سميع وبصير والإنسان سميع بصير، وبين الذاتين ما يعرفه كل عاقل من الفرق، ومن تصور التشبيه فقد جمع بين التشبيه والتعطيل. والحاصل أن الإباضية هنا وافقوا المعتزلة والأشاعرة وغيرهم من أهل الفرق في باب الصفات، معتمدين على عقولهم وعلى شبهات وتأويلات باطلة، على أن الإباضية أنفسهم مختلفون في إثبات صفات الله تعالى؛ فإباضية المشرق يختلفون عن إباضية المغرب، ذلك أن إباضية المشرق تعتقد أن صفات الله تعالى حادثة، وإباضية المغرب تعتقد أنها قديمة؛ وبين الفريقين من التباعد في هذا ما لا يخفى (١).

٢ - وأما عقيدة الإباضية في استواء الله وعلوه فإنهم يزعمون أن الله يستحيل أن يكون مختصاً بجهة ما؛ بل هو في كل مكان. وهذا قول بالحلول وقول الغلاة الجهمية، ولهذا فقد فسر الإباضية معنى استواء الله على عرشه باستواء أمره وقدرته ولطفه فوق خلقه، أو استواء ملك ومقدرة وغلبة، وإذا قيل لهم: لم خص العرش بالاستيلاء والغلبة؟ أجابوا بجواب وقالوا: لعظمته، وقد خرجوا بهذه التأويلات عن المنهج الشرعي إلى إعمال العقل واللغة بتكلف ظاهر مخالف للاعتقاد السليم والمنطق والفطرة.

٣ - وذهبت الإباضية في باب رؤية الله تعالى إلى إنكار وقوعها؛ لأن العقل –كما يزعمون- يحيل ذلك ويستبعده، واستدلوا بقوله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: ١٠٣]. وأوَّلوا معنى الآية تأويلاً خاطئاً على طريقة المعتزلة.

ومن أدلتهم قوله تعالى: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف: ١٤٣].واستدلوا من السنة بحديث عائشة حين سئلت عن الرسول صلى الله عليه وسلم: هل رأى ربه ليلة الإسراء؟ فأجابت بالنفي (٢) كما رواه صاحب (وفاء الضمانة) (٣)، وقد أورد الربيع بن حبيب صاحب كتاب (الجامع الصحيح) أو (مسند الربيع)، الذي هو عندهم بمنزلة صحيح البخاري ومسلم عند أهل السنة، ويعتبرونه أصح كتاب بعد القرآن كما يزعمون- أورد عدة روايات عن بعض الصحابة تدل على إنكارهم رؤية الله تعالى (٤).

والواقع أن كل استدلالاتهم التي شابهوا فيها المعتزلة، إما استدلالات غير صحيحة الثبوت، أو صحيحة ولكن أوَّلوها على حسب هواهم في نفي الرؤية.

فإن الآية الأولى ليس فيها نفي الرؤية: وإنما نفي الإحاطة والشمول، فالله يرى ولكن من غير إحاطة به عز وجل.

وقوله لموسى: لن تراني أي في الدنيا، وقد علق الله إمكان رؤيته تعالى بممكن، وهو استقرار الجبل.

وحديث عائشة إنما أرادت نفي أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه في ليلة الإسراء، وليس المقصود نفي الرؤية مطلقاً، فهذا لم ترده أم المؤمنين، ومن فهم النفي مطلقاً فهو سيء الفهم جاهل بالنصوص.


(١) انظر: ((الإباضية عقيدة ومذهبا)) للدكتور صابر طعيمة (ص٣٥).
(٢) رواه البخاري (٤٨٥٥)، ومسلم (١٧٧). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) ((وفاء الضمانة)) (ص٣٧٧،٢٧٦)
(٤) انظر: ((مسند الربيع بن حبيب)) (٣/ ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>