للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخلاصة القول في هذه المسألة، أن رؤية الله تعالى تعتبر عند السلف أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، لا يماري فيها أحد منهم بعد ثبوتها في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي أقوال الصحابة رضي الله عنهم وفي أقوال علماء السلف قاطبة رحمهم الله تعالى.٤ - ومن عقائد بعض الإباضية في كلام الله تعالى القول بخلق القرآن، بل حكم بعض علمائهم كابن جميع والورجلاني أن من لم يقل بخلق القرآن فليس منهم. (١).

وقد عرف المسلمون أن القول بخلقه من أبطل الباطل، إلا من بقي على القول بخلقه منهم وهم قلة شاذة بالنسبة لعامة المسلمين، وموقف السلف واضح فيها وهو موقف إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، وهو القول بأن القرآن كلام الله تعالى/، منه بدأ وإليه يعود، ولا يتسع المقام هنا لبسط شُبه القائلين بخلقه وأدلة من يقول بعدم خلقه وردهم على أولئك المخطئين. ومن قذف الله الإيمان والنور في قلبه يعلم أن الله تعالى تكلم بالقرآن، وبلغه جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم والكلام صفة لله تعالى، ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أن بعض الإباضية قد خرج عن القول بخلق القرآن، كصاحب (كتاب الأديان) (٢). وكذا أبو النضر العماني (٣)، وردا على من يقول بخلقه، وبسطا الأدلة في ذلك وبهذا يتضح أن الإباضية قد انقسموا في هذه القضية إلى فريقين.٥ - وقد اعتدل الإباضية في مسألة القدر ووافقوا أهل السنة، فأثبتوا القدر خيره وشره من الله تعالى، وأن الله خالق كل شيء، وأن الإنسان فاعل لأفعاله الاختيارية مكتسب لها محاسب عليها، وبهذا المعتقد صرح زعمائهم كالنفوسي (٤) والعيزابي (٥) والسالمي (٦) وعلي يحيى معمر (٧).

٧ - وقد اختلف الإباضيون في إثبات عذاب القبر. فذهب قسم منهم إلى إنكاره موافقين بذلك سائر فرق الخوارج. وذهب قسم آخر إلى إثباته، قال النفوسي في متن النونية:

وأما عذاب القبر ثبت جابر ... وضعفه بعض الأئمة بالوهن (٨)

ومعتقد السلف جميعاً هو القول بثبوت عذاب القبر ونعيمه، كما صحت بذلك النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة، ومن أنكره فليس له دليل إلا مجرد الاستبعاد ومجرد الاستبعاد ليس بدليل.

٧ - ويثبت الإباضيون وجود الجنة والنار الآن ويثبتون الحوض ويؤمنون بالملائكة والكتب المنزلة.٨ - وأما بالنسبة للشفاعة: فإن الإباضيون يثبتونها ولكن لغير العصاة بل للمتقين، وكأن المتقي في نظرهم أحوج إلى الشفاعة من المؤمن العاصي. قال صاحب كتاب (الأديان): والشفاعة حق للمتقين وليست للعاصين (٩).

وقال السالمي:

وما الشفاعة إلا للتقي كما ... قد قال رب العلا فيها وقد فصلا (١٠).

وذكر الربيع بن حبيب روايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم تدل في زعمه على هذا المعتقد، وقرر الحارثي في كتابه (العقود الفضية) تلك القضية. (١١).


(١) ((مقدمة التوحيد)) (ص١٩)، ((الدليل لأهل العقول)) (ص٥٠).
(٢) ((كتاب الاديان)) (ص١٠٤).
(٣) ((كتاب الدعائم)) (ص٣١ - ٣٥).
(٤) ((متن النونية)) (ص١٢).
(٥) ((الحجة في بيان المحجة)) (ص٢٣).
(٦) ((غاية المراد)) (ص ٩).
(٧) ((الإباضية بين الفرق)) (ص ٢٤٨).
(٨) ((متن النونية)) (ص٢٧).
(٩) انظر ((كتاب الأديان)) (ص٥٣).
(١٠) ((غاية المراد)) (ص٩).
(١١) ((مسند الربيع بن حبيب, الجامع الصحيح)) (٤/ ٣٤،٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>