للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أرجع علي يحيى معمر الإباضي كل ما جاء من أحاديث المروق إلى المرتدين الذين خرجوا على أبي بكر رضي الله عنه بقوله: "فإن أحاديث المروق - إذا صحت - لا يكون المقصود منها إلا أصحاب الثورة الأولى أولئك الذين خرجوا على خلافة أبي بكر، منكرين للشريعة أو لأصل من أصولها" (١).

فهو يشك في صحة أحاديث المروق، وعلى فرض صحتها – حسب تعبيره – فإنه يقصرها على المرتدين، والواقع أنها أحاديث صحيحة جاءت في الصحيحين، والقول بأنها واردة على المرتدين في زمن أبي بكر رضي الله عنه، لم أر فيما تيسر لي قراءته أن أحدا قد قال بهذا سواه.

ثم إن ما في الأحاديث من أوصاف الخوارج من كثرة قراءتهم للقرآن وتعمقهم في العبادة لا ينطبق على هؤلاء المرتدين. وقد ذكر الشاطبي عدة آيات في ذم البدع وسوء منقلب أصحابها، "وذكر عن بعض السلف أنه أولها على الخوارج" (٢)، ويذكر أنه حينما وقف أبو أمامة على سبعين رأسا من الخوارج قتلوا فنصبت رؤوسهم، أنه وصفهم بأنهم كلاب جهنم فيما يرويه عنه أبو غالب، واسمه حرور قال: (كنت بالشام، فبعث المهلب سبعين رأسا من الخوارج، فنصبوا على درج دمشق فكنت على ظهر بيت لي، فمر أبو أمامة فنزلت فاتبعته، فلما وقف عليهم دمعت عيناه، وقال: "سبحان الله! ما يصنع السلطان ببني آدم – قالها ثلاثا- كلاب جهنم، كلاب جهنم، شر قتلى تحت ظل السماء- ثلاث مرات، خير قتلى من قتلوه، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، ثم التفت إلي فقال: أبا غالب، إنك بأرض هم بها كثير فأعاذك الله منهم، قلت: رأيتك بكيت حين رأيتهم، قال: بكيت رحمة حين رأيتهم كانوا من أهل الإسلام) (٣).وفيما ينسب إلى الإمام علي، أنه فسر قوله تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: ١٠٣ - ١٠٤] بأنهم الحرورية (٤).ويصفهم الشهرستاني بقوله: "فهم المارقة الذين قال فيهم (يعني الرسول صلى الله عليه وسلم): ((سيخرج من ضئضئي هذا الرجل قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)) (٥).وممن كفرهم أيضا، الدبسي في رسالته، وذلك بسبب تكفيرهم بعض الصحابة، وبما اعتقدوا من اعتقادات، ثم قال: "وفي شرح العقائد: من قذف عائشة رضي الله عنها فهو كافر، ومن أنكر شفاعة الشافعين يوم القيامة فهو كافر، وفي محيط البرهان: من أنكر الجنة أو النار أو القيامة أو الصراط أو الميزان أو الصحائف المكتوبة فهو كافر، وكذا من قال بخلق القرآن فهو كافر" (٦).

وأحب هنا أن أقول بأن من تشكك من العلماء في كفر الخوارج عموما؛ فإنه لا يشك في كفر بعض الفرق منهم.

فالبدعية من الخوارج قصروا الصلاة على ركعة في الصباح وركعة في المساء.

والميمونة أجازت نكاح بعض المحارم التي علم تحريمها من الدين بالضرورة، ثم زادت فأنكرت سورة يوسف أنها من القرآن.


(١) ((الإباضية في موكب التاريخ)) (١/ ٢٩).
(٢) ((الاعتصام)) (١/ ٥٣ - ٦٨).
(٣) رواه البيهقي (٨/ ١٨٨). وقال الذهبي في ((المهذب)) (٦/ ٣٣٠٤): عن أبي غالب حزور وهو صويلح قد ضعفه النسائي.
(٤) ((الاعتصام)) (ص٦٥).
(٥) ((الملل والنحل)) (١/ ١١٥).
(٦) ((فرق الشيعة والخوارج وتكفير غلاتهم)) (ص٢) وانظر: (ص١٣، ص٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>