للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقي علينا في هذا المقام أن نعرف مفهوم عقيدة الرجعة عند الشيعة. يقول محمد رضا المظفر: "إن الذي تذهب إليه الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت عليهم السلام أن الله تعالى يُعيدُ قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعزُّ فريقاً ويذلُّ فريقاً آخر، ويديلُ المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، ولا يرجعُ إلا من علتْ درجته في الإيمان أو من بلغ من الفساد ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من الثواب أو العقاب كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم، تمنى هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ [غافر:١١] (١).وروى القمي- وهو الثقة عندهم- بسنده إلى أبي عبد الله حيث فسر قوله تعالى: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق:٤٢] بالرجعة، وقال صيحة القائم من السماء ذلك يوم الخروج قال هي: الرجعة (٢).واشترط الشيعة في الرجعة من محض الإيمان أو الكفر فيقول القمي: "حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا [النمل:٨٢] قال: ليس أحد من المؤمنين قتل إلا يرجع حتى يموت ولا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً (٣).والتفسير الصحيح لهذه الآية التي استدل بها المظفر ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: "هي مثل التي في البقرة وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة:٢٨] كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم ثم أخرجهم فأحياهم ثم يميتهم ثم يحييهم بعد الموت. أخرجه الفريابي وعبد الله بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه (٤).وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: كنتم أمواتاً قبل أن يخلقكم فهذه ميتة ثم أحياكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة فهما ميتتان وحياتان فهو كقوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:٢٨] (٥).


(١) انظر: ((عقائد الإمامية)) لمحمد رضا المظفر، ط (٢) (١٣٨١هـ) (ص ٦٧ - ٦٨).
(٢) انظر: ((تفسير القمي)) (٢/ ٣٢٧).
(٣) انظر: ((تفسير القمي)) (٢/ ١٣٠/١٣١).
(٤) انظر: ((الدر المنثور في التفسير بالمأثور)) للسيوطي (٥/ ٣٤٧).
(٥) ((الدر المنثور في التفسير بالمأثور)) للسيوطي (٥/ ٣٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>