للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى الكشي في كتابه (معرفة أخبار الرجال) بعد ترجمة عبد الله بن سبأ تحت عنوان (في سبعين رجلاً من الزط الذين ادعوا الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام بسنده إلى أبي جعفر أنه قال: إن علياً عليه السلام لما فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزط فسلموا عليه وكلموه بلسانهم فرد عليهم بلسانهم، وقال لهم: إني لست كما قلتم أنا عبد الله مخلوق، قال: فأبوا عليه, وقالوا له: أنت أنت هو, فقال لهم: لئن لم ترجعوا عما قلتم فِيِّ وتتوبوا إلى الله تعالى لأقتلنكم. قال: فأبوا أن يرجعوا أو يتوبوا. فأمر أن يحفر لهم آباراً فحُفرت ثم خرق بعضها إلى بعض ثم قذفهم فيها ثم طم رؤوسها ثم ألهب النار في بئر منها ليس فيها أحد فدخل الدخان عليهم فماتوا" وفي بحار الأنوار نقلاً عن مناقب آل أبي طالب فخدّ عليه السلام لهم أخاديد وأوقد ناراً فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه فيقذفه في النار ثم قال:

إني إذا أبصرت أمراً منكراً ... أوقدت ناراً ودعوت قنبراً

ثم احتفرت حفراً فحفراً ... وقنبر يحطم حطماً منكراً

وعقّب على هذا الخبر ابن شهر آشوب بقوله: "ثم أحيا ذلك رجل اسمه محمد بن نصير النميري البصري زعم أن الله تعالى لم يظهره إلا في هذا العصر وإنه عليّ وحده، فالشرذمة النصيرية ينتمون إليه: وهم قوم إباحية تركوا العبادات والشرعيات واستحلت المنهيّات والمحرّمات، ومن مقالهم: أن اليهود على الحق ولسنا منهم، وإن النصارى على الحق ولسنا منهم" (١).

ومن المناسب ما دمنا نتكلم عن تحريق علي بن أبي طالب لأصحاب ابن سبأ والزنادقة أن نذكر حادثة أخرى ذكرها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة يقول ابن أبي الحديد: "وروى أبو العباس أحمد بن عبيد بن عمار الثقفي عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي المعروف بنوين: وروى أيضاً عن علي بن محمد النوفلي عن مشيخته: "أن علياً عليه السلام مر بقوم وهم يأكلون في شهر رمضان نهاراً فقال أسفر أم مرضى قالوا: لا، ولا، واحدة منها، قال: فمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة والجزية قالوا: لا، أنت أنت، يومئون إلى ربوبيته، فنزل عليه السلام عن فرسه فألصق خده بالأرض، وقال: ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله وارجعوا إلى الإسلام، فأبوا فدعاهم مراراً فأقاموا على كفرهم، فنهض إليهم وقال: شدوهم وثاقاً وعليّ بالفعلة والنار والحطب ثم أمر بحفر بئرين فحفرنا فجعل إحداهما سرباً والأخرى مكشوفة وألقى الحطب في المكشوفة وفتح بينهما فتحاً وألقى النار في الحطب فدخن عليهم وجعل يهتف بهم ويناشدهم ليرجعوا إلى الإسلام، فأبوا فأمرهم بالحطب والنار فألقى عليهم فأحرقوا فقال الشاعر:

لترم في المنية حيث شاءت ... إذا لم ترمني في الحفرتين

إذا ما حشنا حطباً بنار .. ... فذاك الموت نقداً غير دين

فلم يبرح عليه السلام حتى صاروا حمماً (٢).

هذه هي الروايات التي وقفنا عليها في الأحاديث الصحيحة والحسنة والروايات التاريخية وكذلك من كتب القوم المتعلقة بالأصول والفقه والرجال والتاريخ التي تدل بكل وضوح على أن علياً رضي الله عنه قد حرق الزنادقة ومن اعتقد فيه الربوبية ومنهم أصحاب ابن سبأ الملعون.


(١) انظر: ((مناقب آل أبي طالب)) لابن شهر آشوب (١/ ٢٢٧) و ((بحار الأنوار)) (٢٥/ ٢٨٥).
(٢) انظر: ((شرح نهج البلاغة))، لابن أبي الحديد (٢/ ٣٠٨ - ٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>