للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهم لهذا يؤثرون العمل بما قرره علماءُ مذهبهم، ولا سيما في العبادات على ما سواه، حتى لو كان مصادماً لأدلة الكتاب والسنة؛ مثال ذلك: إذا تعارض ما رجحه أهل المذهب في مسألة ما مع النص من الكتاب، أو من السنة، أو منهما معاً، فإنه يقال في هذه الحال: والمذهب بخلافه؛ ضارباً بالدليل عرض الحائط، فمن أمثلة ذلك أن الله تعالى أحل للمسلمين أكل طعام أهل الكتاب، وكذلك زوج المسلم بالكتابية (١)، وذلك قول قوله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ [المائدة:٥]، لكن المذهب الهادوي لم يأخذ بما أحله الله للمسلمين، في هذه الآية الكريمة، ولعل هذا هو ما حمل نشوان بن سعيد الحميري المتوفى سنة بضع وسبعين وخمس مئة على إعلان إنكاره لبعض المقلدين من علماء عصره، لإيثاره رأي الإمام الهادي يحيى بن الحسين على قول الله تعال، وذلك في قوله:

إذا جادلت بالقرآن خصمي ... أجاب مجادلاً بكلام يحيى

فقلت: كلامُ ربك عنه وحي ... أتجعل قول يحيى عنه وحيا (٢)

على أن هذا الأمر ليس خاصاً بالمذهب الزيدي، ولكنه شائع في بعض المذاهب الأخرى، وهو ما أشار إليه الإمام الشوكاني في كتابه (أدب الطلب) وهو يتحدث عن المقلدين في جميع المذاهب الإسلامية بقوله: "إنهم اعتقدوا أن إمامهم الذي قلدوه ليس في علماء الأمة من يساويه أو يدانيه، ثم قبلت عقولهم هذا الاعتقاد، وزاد بزيادة الأيام والليالي حتى بلغ إلى حد يتسبب عنه أن جميع أقواله صحيحة، جارية على وفق الشريعة، ليس فيها خطأ ولا ضعف، وأنه أعلم الناس بالأدلة الواردة في الكتاب والسنة على وجه لا يوفق عليه منها شيء، ولا تخفى منها خافية، فإذا أسمعوا دليلاً في كتاب الله أو سنة رسوله، قالوا: لو كان هذا راجحاً على ما ذهب إليه إمامنا، لذهب إليه، ولم يتركه، لكنه تركه لما هو أرجح منه عنده، فلا يرفعون لذلك رأساً، ولا يرون بمخالفته بأساً".

ثم أكد هذا القول بقوله: "وهذا صنيعٌ قد اشتهر عنهم، وكاد يعمهم قرناً بعد قرن، وعصراً بعد عصر، على اختلاف المذاهب، وتباين النحل، فإذا قال لهم القائل: اعملوا بهذه الآية القرآنية، أو بهذا الحديث الصحيح، قالوا: لست أعلم من إمامنا حتى نتبعك، ولو كان هذا كما تقول، لم يخالفه من قلدناه، فهو لم يخالفه إلا على ما هو أرجح منه.


(١) ذكر الإمام محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله أن زيد بن علي وحفيده أحمد بن عيسى والإمام يحيى ابن حمزه جوزوا نكاح الكتابية. ((العواصم والقواصم)) (٨/ ٢١٤).
(٢) ((المستطاب)).

<<  <  ج: ص:  >  >>