للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم خلص إلى القول بما هو عليه الحال عند المقلدين من الزيدية في اليمن، فقال: "وأما في ديارنا هذه فقد لقنهم من هو مثلهم في القصور، والبعد عن معرفة الحق ذريعة إبليسية، ولطيفة مشؤومة؛ هي أن دواوين الإسلام: الصحيحان والسنن الأربع، وما يلحق بها من المسندات والمجاميع المشتملة على الستة إنما يشتغل بها، ويكرر درسها، ويأخذ منها ما تدعو حاجته إليه من لم يكن من أتباع أهل البيت؛ لأن المؤلفين لها لم يكونوا من الشيعة، فيدفعون بهذه الذريعة جميع السنة المطهرة، لأن السنة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي ما في تلك المصنفات، ولا سنة غير ما فيها، هؤلاء وإن كانوا يعدون من أهل العلم، ولا يستحقون أن يذكروا مع أهله، ولا تنبغي الشغلة بنشر جهلهم، وتدوين غباوتهم، لكنهم لما كانوا قد تلبسوا بلباس أهل العلم، وقبلوا ما يلقنونهم من هذه الفواقر، فضلوا وأضلوا وعظمت بهم الفتنة، وحلت بسببهم الرزية، فشاركوا سائر المقلدة في ذلك الاعتقاد في أئمتهم الذين قلدوهم، واختصموا من بينهم بهذه الخصلة الشنيعة، والمقالة الفظيعة، فإن أهل التقليد من سائر المذاهب يعظمون كتب السنة، ويعترفون بشرفها، وأنها أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وأنها هي دواوين الإسلام وأمهات الحديث وجوامعه التي عول عليها أهل العلم في سابق الدهر ولاحقه، بخلاف أولئك، فإنها عندهم بالمنزلة التي ذكرنا، فضموا إلى شنيعة التقليد شنيعة أخرى هي أشنع منها، وإلى بدعة التعصب بدعة أخرى هي أفظع منها. ولو كان لهم أقل حظ من علم، وأحقر نصيب من فهم لم يخف عليهم أن هذه الكتب لم يقصد مصنفوها إلا جمع ما بلغ إليهم من السنة بحسب ما بلغت إليه مقدرتهم، وانتهى إليه علمهم، لم يتعصبوا فيها لمذهب، ولا اقتصروا فيها على ما يطابق بعض المذاهب دون بعض، بل جمعوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ليأخذوا كل عالم منها بقدر علمه، وبحسب استعداده".ثم قال: "ومن لم يفهم هذا، فهو بهيمة لا يستحق أن يخاطب بما يخاطب به النوع الإنساني، وغاية ما ظفر به من الفائدة بمعاداة كتب السنة التسجيل على نفسه بأنه متبدع أشد ابتداعه، فإن أهل البدع لم ينكروا جميع السنة، ولا عادوا كتبها الموضوعة لجمعها، بل حق عليهم اسم البدعة عند سائر المسلمين لمخالفة بعض مسائل الشرع" (١).

المصدر: الزيدية نشأتها ومعتقداتها للقاضي إسماعيل بن علي الأكوع - ص٢٥


(١) ((أدب الطلب)) (ص ٤٩ - ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>