للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإمام الثاني الذي كرر نفس الأسلوب هو الإمام يحيى بن محمد حميد الدين الذي أمر في رسالة أخرى قبيلة أرحب ببناء تابوت وقبة على قبر الإمام أحمد بن هاشم الويسي المتوفي سنة (١٢٦٩هـ) والمدفون في "دار أعلا" من أرحب للتبرك به، وهدَّدهم إن لم يفعلوا ذلك بأنه سينقل رفاته إلى مكان آخر، فما كان من أهل أرحب إلا أن بنوا له قبة ووضعوا على قبره تابوتاً (١).، والذي جعلني أدَّعي أن الباعث على ذلك هو السياسة أن الإمام يحيى كذلك كان عالماً وعاقلاً ولم يكن من السذاجة بحيث يعتقد أن ذلك مما يحبه الله ويرضاه، ثم إنه في نفس الوقت أو بعده بقليل كان ابنه وولي عهده الإمام أحمد بن يحيى يهدم قبور أولياء الصوفية في الديار الشافعية. تلك هي الحوادث والتصرفات التي تدل على أن أئمة الزيدية يبنون المشاهد لأجل السياسة وإن كان قد ترتب على ذلك خلل كبير في عقيدة الكثير من العوام وأشباههم، كما صور ذلك الإمام الشوكاني رحمه الله حين ذكر ما يجري عند مشهد الإمام أحمد بن الحسين صاحب ذيبين (٢). وبعد أن ألِفَ علماءُ تلك البلاد هذه المشاهد -وكان القائمون وراءها أئمة مجتهدين - ركنوا إلى ذلك الواقع، وأحسنوا الظن بمن سن تلك السنة وتابعوهم عليها، ليس بالفعل فقط ولكن بالإفتاء أيضاً، وهذه نقلة خطيرة جداً، وتحول كبير في هذا المسار عند الزيدية، والذي أفتى بذلك هو الإمام الجليل يحيى بن حمزة الذي أثنى عليه الإمام الشوكاني رحمه الله في البدر الطالع ثناءً عاطراً (٣)، رغم رده عليه في هذه الفتوى، والفتوى المقصودة هي مانقلها عنه الإمام المهدي في البحر الزخار حيث قال: (مسألة (ي) ولابأس بالقباب والمشاهد على الفضلاء لاستعمال المسلمين ولم ينكر) (٤).ثم تبع الإمام المهدي على ذلك الإمام يحيى فقال في الأزهار وهو يتكلم عما يندب في القبر ومنه رفعه قدر شبر (وكره ضد ذلك والإنافة بقبر غير فاضل) (٥).

ومن المعلوم أن الإمام الشوكاني قد ردّ على هذه الفتوى بكتابه المشهور "شرح الصدور في تحريم رفع القبور ".

هذا ما يتعلق ببناء المشاهد والقباب وأما هدم تلك المشاهد وكونه للسياسة كذلك فهو أظهر، وإليك هاتين الواقعتين: أما الواقعة الأولى فهي ما حدث من هدم للقبور المشرفة والمشاهد المقامة عليها أيام الإمام المتوكل على الله المعاصر للشوكاني، حيث إنه أجاب أئمة الدعوة النجدية إلى هدم بعض المشاهد في صنعاء وما حولها، وكتب بذلك إلى سائر الجهات، ذكر ذلك الإمام الشوكاني في "البدر الطالع" وصاحب كتاب (حوليات يمانية) (٦).وقد جزمت بأن الأمر كان سياسة لا تديناً؛ لأن ذلك الإمام بينما كان يرضخ للنجديين ويداهنهم كما عبر بذلك صاحب الحوليات كان في نفس الوقت يكاتب الأتراك والمصريين للقدوم إلى الجزيرة والقضاء على الدولة النجدية (٧).


(١) ((هجر العلم)) (١/ ٢٥٥).
(٢) انظر: ((الدر النضيد)) (ص٤٨) ٠
(٣) ((البدر الطالع)) (٢/ ٣٣٢ - ٣٣٢)
(٤) ((البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار)) تأليف الإمام أحمد بن يحيى المرتضى (٢/ ١٣٢)، طبع دار الحكمة اليمانية صنعاء تصوير عام (١٤٠٩هـ-١٩٨٨م) عن الطبعة الأولى (١٣٦٦هـ-١٩٤٧م) (٢/ ١٣٢) ٠
(٥) ((الأزهار في فقه الأئمة الأطهار)) (١/ ٣٦١) للإمام المهدي صاحب ((البحر الزخار مع شرحه السيل الجرار)) تحقيق محمد إبراهيم زايد طبع دار الكتب العلمية ببيروت الطبعة الأولى الكاملة (١٤٠٥هـ-١٩٨٥م).
(٦) الباب الثالث (ص ٥٤٧).
(٧) انظر ((ذكريات الشوكاني)) (ص ١١٣) - إلى آخر الكتاب تحقيق د. صالح رمضان محمود طبع دار العودة (١٩٨٣م) و ((حوليات يمانية)) (ص ٢٢ - ٢٣) تحقيق عبدالله محمد الحبشي لم يسم المؤلف طبع دار الحكمة اليمانية صنعاء ط الأولى (١٤١١هـ-١٩٩١م).

<<  <  ج: ص:  >  >>