للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد .. فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم ... إلى أن قال: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، أما والله لئن شئتم لتقيدنها جذعة، فقال عمر: إذاً يقتلك الله! قال: بل إياك يقتل ... (١).

وعن أبي مخنف قال عبد الله بن عبد الرحمن: فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطؤون سعد بن عبادة، فقال ناس من أصحاب سعد، اتقوا سعداً لا تطؤوه، فقال عمر: اقتلوه قتله الله! ثم قام على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضدك، فأخذ يعد بلحية عمر فقال: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة، فقال أبو بكر: مهلا يا عمر! الرفق ها هنا أبلغ، فأعرض عنه عمر، وقال سعد: أما والله لو أن بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها وسككها زئيراً يحجرك وأصحابك ... الخ (٢).

هذه مقتطفات من رواية أبي مخنف الطويلة في حادثة السقيفة ويظهر منها التعدي على الصحابة وتصويرهم بصورة لا تليق بمن هو أقل منهم من صالحي المسلمين فكيف بخيار الأمة وأصحاب رسول الله؟

فهو يصوّر القضية صراعا على السلطة يتناسى معه الأصحاب كل فضيلة وسابقة في الدين لمن سواهم، وهل يليق بالأنصار أن ينسبوا لأنفسهم فضلا دون المهاجرين فيعتبروا أنفسهم أصحاب سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب! وهو يعلمون تقديم المهاجرين عليهم في القرآن، أو أن يستبدوا لهذا الأمر دون الناس؟

وهل يعقل أن يعتبر زعماء الأنصار أن اختيار أمير من المهاجرين وآخر من الأنصار أول الوهن!

كما يلاحظ رائحة التشيع التي تفوح من الرواية وأبو مخنف يبرز عليا وحده مهتما بجهاز رسول الله، وغيره من أمثال أبي بكر في داره وعمر لا يعلم حتى يأتيه الخبر؟

وليت شعري أيليق بنبلاء الرجال الذين جمع الله قلوبهم على التقى، وآخى الرسول بينهم حتى كان الرجل منهم يرث أخاه بعد موته – حتى نسخ ذلك – هل يليق بهؤلاء أن تصدر منهم لإخوانهم عبارات الجلاء عن بلادهم؟ " فإن أبو عليكم ما سألتم فأجلوهم عن هذه البلاد ".

أما إعادة نعرات الجاهلية، فتلك قد اندثرت في نفوس أولئك الأخيار، لكنها حية في نفوس الشعوبيين وأصحاب النزعات المذهبية المنحرفة، وبالتالي يحاولون إسقاطها على أولئك القرون الظاهرة وهم منها براء.

وهكذا تمتلئ الرواية بألفاظ المهاترة والكلمات البذيئة، بل ربما وصلت إلى الاعتداء والضرب بين الصحابة! وتلك آفة الروايات المختلقة، وهي أثر من آثار معتقد الشيعة في سب الصحابة والنيل منهم، فهل ينتبه قرّاء التاريخ لمثل هذه المرويات الساقطة، وهل يستتبع ذلك همم عالية لنقدها سنداً ومتناً؟!

خاصة إذا علم أن هناك مرويات أخرى في مصادر أخرى، وعن طريق رواة موثقين في هذه الحادثة أو غيرها (٣).

الرواية الثانية: في قصة الشورى:

وقد ساقها الطبري في تاريخه بسند فيه" أبو مخنف " وبمتن طويل أقتبس منه الفقرات التالية:


(١) [٩٧٤٠] انظر: ((تاريخ الطبري)) (٣/ ٢١٩).
(٢) [٩٧٤١] انظر ((تاريخ الطبري)) (٣/ ٢٢٢).
(٣) [٩٧٤٢] ذكر الأستاذ يحيى اليحيى أن البخاري أخرج في صحيحه ثلاث روايات في السقيفة، وأخرج الإمام أحمد في مسنده خمس روايات، والنسائي رواية واحدة، وابن أبي شيبة أربع روايات، وابن سعد ثلاث روايات، هذا فضلا عن روايات المؤرخين كالبلاذري، والذهبي وابن كثير، وغيرهم، بل أن الطبري نفسه ساق روايات آخرى لا ينتهي سندها إلى أبي مخنف (انظر ((مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري)) (ص ١١٢، ١٢٦) وقد استقصى، وقارن اليحيى بين هذه الروايات ورواية أبي مخنف فليرجع إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>