للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال العباس لعلي (رضي الله عنهما) – بعد أن حدّد عمر الستة النفر الذين تكون فيهم – لا تدخل معهم، قال علي: أكره الخلاف، فقال له العباس: إذاً ترى ما تكره (١).

وهكذا يبدأ أبو مخنف الرواية بامتعاض العباس من دخول علي ويحذره مما يكره إن قبل، وكأنه بذلك يصوّر العباس مدركاً لأمر غاب عن علي، وأن الأمر مبيت على غير ما يأملون؟! قال علي للعباس – حين تلقاه – عدلت عنّا، فقال: وما علمك؟ قال: قرن بي عثمان، وقال: كونوا مع الأكثر فإن رضي رجلان رجلاً، ورجلان رجلاً، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن، وعبد الرحمن صهر عثمان، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني، بله أني لا أرجو إلا أحدهما فرد عليه العباس مذكرا بما قاله له حين سمي في الستة ثم أوصاه قائلا: احفظ عني واحدة: كلما عرض عليك القوم فقل: لا، إلا أن يولوك، واحذر هؤلاء الرهط فإنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم لنابه غيرنا ... فقال علي: أما لئن بقي عثمان لأذكرنه ما أتى، ولئن مات ليتداولنها بينهم، ولئن فعلوا ليجدني حيث يكرهون (٢).

وأعتقد أن ما ورد في الرواية من عبارات نابية غريبة، واتهام مشين بين الصحابة كاف لسقوطها متناً، فضلا عن سقوطها سنداً!!

كما ورد في الرواية أن عبد الرحمن بن عوف دعا علياً فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده؟ قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي، ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، قال: نعم فبايعه، فقال علي: حبوته حبو دهر، ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك، والله كل يوم هو في شأن (٣).

وهذا الجزء من الرواية لا يختلف في غرابته عما قبله، وقد كفانا الحافظ ابن كثير مؤنة الرد عليه، حيث أبان في تاريخه بكلام جزل تفرد الرواة الشيعة وغيرهم من القصاص برواية هذه الأخبار الساقطة حيث قال ما نصه:

" وما يذكره كثير من المؤرخين كابن جرير وغيره عن رجال لا يعرفون أن علياً قال لعبد الرحمن: خدعتني، وإنك إنما وليته لأنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه

إلى غير ذلك من الأخبار المخالفة لما ثبت في الصحاح فهي مردودة على قائليها وناقليها، والله أعلم. والمظنون بالصحابة خلاف ما يتوهم كثير من الرافضة وأغبياء القصاص الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الأخبار وضعيفها ومستقيمها وسقيمها وميادها وقويمها والله الموفق للصواب (٤).

وهكذا تمتلئ الرواية بكثير من الأخطاء والتجاوزات والمغالطات ويكشف عورها غيرها من الروايات الصحيحة (٥).

(ب) هشام بن محمد بن السائب الكلبي:


(١) [٩٧٤٣] ((تاريخ الطبري)) (٤/ ٢٢٨).
(٢) [٩٧٤٤] ((تاريخ الطبري)) (٤/ ٢٢٩ –٢٣٠).
(٣) [٩٧٤٥] ((تاريخ الطبري)) (٤/ ٢٣٣).
(٤) [٩٧٤٦] ((البداية والنهاية)) (٧/ ١٦١).
(٥) [٩٧٤٧] وردت قصة الشورى بروايات صحيحة وبمصادر أخرى، فقد أخرجها البخاري في صحيحه من طريقين، وابن حبان وغيرهما انظر: يحيى اليحى: ((مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري)) (ص ١٧٠، ١٨٠). كما تطرق العلماء لقصة البيعة لعثمان ولم يذكروا غرائب رواية أبي مخنف بل أكدوا بيعة علي وغيره لعثمان، ومن قدم علياً عليه فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار واتهمهم بما ليس فيهم انظر: ((فتاوى ابن تيمية)) (٤/ ٤٢٧ - ٤٢٨)، ((مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري)) (ص١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>