للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا راو آخر من رواة الشيعة، وممن أكثر الرواية عنهم إمام المؤرخين ابن جرير الطبري، إذ بلغت رواياته في تاريخ الطبري ما يقرب من ثلاثمائة رواية شملت تاريخ الأنبياء والسيرة النبوية وتاريخ الخلفاء وطرفا من أخبار الدولة الأموية (١).

وقد تحدث أئمة الجرح والتعديل عن تشيعه وغرابة مروياته قال العقيلي: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: سمعت أبي يقول: هشام بن محمد بن السائب الكلبي من يحدّث عنه؟! إنما هو صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحداً يحدّث عنه (٢).

وقال عنه ابن حبان: من أهل الكوفة، يروي عن أبيه ومعروف مولى سليمان والعراقيين العجائب والأخبار التي لا أصول لها، وكان غالياً في التشيع، وأخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها (٣).

وقال الذهبي: هشام لا يوثق به، ونقل عن ابن عساكر قوله: رافضي ليس بثقة، مات سنة أربع ومائتين، وقيل: أن مصنفاته أزيد من مائة وخمسين مصنفاً؟! (٤).

وهاك نموذجين من مروياته:

النموذج الأول: اتهام معاوية باختلاق الكتب:

روى الطبري من حديث هشام عن أبي مخنف: أن معاوية لما أيس من قيس أن يتابعه على أمره شق عليه ذلك لما يعرف من حزمه وبأسه وأظهر للناس قيله أن قيس بن سعد قد تابعهم فادعوا الله له وقرأ عليهم كتابه الذي لان له فيه وقاربه، قال: واختلق معاوية كتابا من قيس بن سعد فقرأه على أهل الشام.

ثم أورد الطبري نص الخطاب، وموقف علي بن أبي طالب واستنكاره لذلك، ثم رد قيس بن سعد عليه، وما جرى بينهما من محاورة في كلام يطول (٥).

هكذا يقتفي هشام أثر شيخه أبي مخنف في النيل من الصحابة وتشويه صورتهم، مستخدما في ذلك تزوير الحقائق، وهل بعد اتهام معاوية باختلاق الكتب لتدعيم موقفه شيء؟!

النموذج الآخر: وصف معاوية بأوصاف مشينة

وفي مقابل الصورة الأخرى يختلق هشام رواية أخرى، يتهم فيها معاوية – على لسان قيس بن سعد – بالزيغ والضلال، وقول الزور، بل وفوق ذلك بكونه طاغوتا من طواغيت إبليس؟! وإليك قطعة من نص هذه الرسالة:

" ... من قيس بن سعد إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد: فإن العجب من اغترارك بي وطمعك في واستسقاطك رأيي، أتسومني الخروج من طاعة أولى الناس بالإمرة، وأقولهم للحق، وأهداهم سبيلا، وأقربهم من رسول الله وسيلة، وتأمرني بالدخول في طاعتك، طاعة أبعد الناس من هذا الأمر، وأقولهم للزور، وأضلهم سبيلا وأبعدهم من الله عز وجل ورسوله، ولد ضالين مضلين، طاغوت من طواغيت إبليس!! ... (٦).

أكتفي بهذين النموذجين من رواة الشيعة، وأكتفي بهذه النماذج الواقعية من مروياتهم، لأن الدراسة لا تهدف إلى حصر النماذج والمرويات قدر ما تهدف إلى إبراز النزعة وأثرها في المرويات التاريخية، لأنتقل بعد ذلك إلى نماذج المصادر الشيعية وما تفصح به من غثاء المرويات السقيمة والأخبار الواهية والتشويه المتعمد خير قرون الأمة!

المصدر:نزعة التشيع وأثرها في الكتابة التاريخية لسليمان بن حمد العودة


(١) [٩٧٤٨] محمد السلمي: ((نزعة التشيع وأثرها في الكتابة التاريخية))، ندوة مسجلة اشترك في إلقائها د/ سليمان بن حمد العودة، أ/محمد بن صامل السلمي، أ/يحيى بن إبراهيم اليحيى – وقد سحبت على (الاستنسل) ولم تطبع في كتاب حتى كتابة هذا البحث– (ص١٧)، وانظر في كثرة ((مرويات هشام في تاريخ الطبري فهارس الطبري)) (١٠/ ٤٤٣ - ٤٤٤).
(٢) [٩٧٤٩] ((الضعفاء الكبير)) (٤/ ٣٣٩).
(٣) [٩٧٥٠] ((المجروحين من المحدثين والمتروكين)) (٣/ ٩١).
(٤) [٩٧٥١] ((ميزان الاعتدال)) (٤/ ٣٠٤ - ٣٠٥).
(٥) [٩٧٥٢] ((تاريخ الطبري)) (٤/ ٥٥٣).
(٦) [٩٧٥٣] ((تاريخ الطبري)) (٤/ ٥٥١).، وانظر: سند الرواية عن هشام عن أشياخه (٤/ ٥٤٧) من المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>