للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفوق ذلك نقل عنه الطبري في تاريخه روايات لا تقف عند سب معاوية واتهامه وحده، بل تشمل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وطلحة، وأبا موسى الأشعري, وغيرهم من الصحابة أجمعين، وحتى علي لم يسلم من أذاه.

فهو يرى – في إحدى رواياته – أن دم عثمان ثلاثة أثلاث: ثلث على صاحبة الهودج – يعني عائشة – وثلث على صاحب الجمل الأحمر – يعني طلحة - وثلث على علي بن أبي طالب (١).

بل ينسب إلى عائشة ما هو أكبر من ذلك فقد روى أنها قالت: اقتلوا نعثلا – تعني عثمان – فقد كفر؟! (٢).

أما أبو موسى فعداده في المنافقين في مرويات " نصر" حيث ينقل على لسان " الأشتر ": أنه قال له: فوالله إنك لمن المنافقين قديما، ثم أمره الأشتر بالخروج من القصر، وأن الناس دخلوا ينتهبون متاع أبي موسى حتى منعهم الأشتر فكفوا عنه!! (٣).

(ب) تاريخ المسعودي (مروج الذهب)

وهو نموذج آخر للمصنفات الشيعية التي مزخر بالمرويات الواهية، وتشيع المسعودي وانحرافه في الكتابة التاريخية وبخاصة تاريخ الصحابة غير خاف على العلماء قديما وحديثا.

فابن العربي المتوفي سنة ٥٤٣هـ حذر منه في كتابه القيّم: (العواصم من القواصم) في عاصمة: " الاحتراز من المفسرين والمؤرخين وأهل الآداب حيث نسبهم إلى الجهالة بحرمات الدين، أوهم على البدعة مصرين (٤) إلى أن قال: ومن أشد شيء على الناس جاهل عاقل أو مبتدع محتال (٥) إلى أن قال:

" وأما المبتدع المحتال فالمسعودي، فإنه يأتي منه متاخمة الإلحاد فيما روى من ذلك، وأما البدعة فلا شك فيه " (٦).

وكثيرا ما ينعي ابن العربي على بعض أرباب التاريخ ويصفهم ب " الطائفة التاريخية الركيكة " (٧).

وهم الذين يصفون بعض الصحابة بالبلاهة والضعف والخداع، ولعل "المسعودي " في عداد هؤلاء عند " ابن العربي ".

وكيف لا يكون كذلك وابن العربي يتحدث عن الذين ينشئون أحاديث فيها استحقار الصحابة والسلف، والاستخفاف بهم واختراع الاسترسال في الأقوال والأفعال عنهم، وخروج مقاصدهم عن الدين إلى الدنيا، وعن الحق إلى الهوى (٨) ثم يتحدث بعد ذلك عن المسعودي.

أما بن تيمية فقد قال: " وفي تاريخ المسعودي من الأكاذيب ما لا يحصيه إلا الله تعالى (٩).

كما تعرض الحافظ ابن حجر لنقد المسعودي وكتبه فقال:

" وكتبه طافحة بأنه كان شيعياً معتزلياً حتى أنه قال في حق ابن عمر أنه امتنع من بيعة علي بن أبي طالب ثم بايع بعد ذلك يزيد بن معاوية والحجاج لعبد الملك بن مروان، وله من ذلك أشياء كثيرة " (١٠).

أما ابن خلدون فقد ترددت عباراته عن المسعودي بين القدح والمدح، والإعجاب والذم، ففي بداية حديثه في " المقدمة" ذكر وهو يتحدث عن مشاهير المؤرخين ما في كتب المسعودي من المطاعن والمغامز فقال:


(١) [٩٧٦٢] ((تاريخ الطبري)) (٤/ ٤٦٥).
(٢) [٩٧٦٣] ((تاريخ الطبري)) (٤/ ٤٥٩).
(٣) [٩٧٦٤] ((تاريخ الطبري)) (٤/ ٤٨٧).
(٤) [٩٧٦٥] هذا القول من ابن العربي – رحمه الله – ليس على إطلاقه فهناك من أصحاب هذه الفنون أئمة موثُقُون، ويكفي أن يستثني ابن العربي من هؤلاء الإمام الطبري فحسب، فهناك غيره على شاكلته، بل لقد أجاد المحقق " محب الدين الخطيب " حين لفت النظر إلى أن في تاريخ الطبري من الأخبار الواهية ما لا يقبل وقد أبان عنه الطبري في مقدمته، والمعول في ذلك على دراسة الأسانيد ونقد المتون سواء أكان عند الطبري أم غيره.
(٥) [٩٧٦٦] ((العواصم من القواصم)) تحقيق محب الدين الخطيب (ص ٢٤٨).
(٦) [٩٧٦٧] ((العواصم من القواصم)) (ص ٢٤٩).
(٧) [٩٧٦٨] (المصدر نفسه) (ص ١٧٤).
(٨) [٩٧٦٩] (المصدر نفسه) (ص٢٤٨).
(٩) [٩٧٧٠] ((منهاج السنة)) (٢/ ١٦٣).
(١٠) [٩٧٧١] ((لسان الميزان)) (٤/ ٢٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>