وثمة رواية أخرى ينقلها المسعودي وعزوها إلى ابن جرير الطبري ويسندها إلى محمد بن حميد الرازي وفيها سرور معاوية حين بلغه موت الحسن، وأنه كبرتكبيرة كبر معه أهل الخضراء، ثم كبر أهل المسجد بتكبيرهم، وأن ابن عباس حين بلغه ذلك دخل على معاوية فقال: علمت يا ابن عباس أن الحسن توفي، قال: ألذلك كبرت؟ قال: نعم، قال: أما والله ما موته بالذي يؤخر أجلك ولا حفرته بسادة حفرتك، ولئن أصبنا به فلقد أصبنا قبله بسيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين ثم بعده بسيد الأوصياء، فجبر الله تلك المصيبة، ورفع تلك العترة، فقال: ويحك يا ابن عباس ما كلمتك قط إلا وجدتك معداً (١).
وهكذا يبدو النفس الشيعي واضحاً في هذه الرواية، فالحسن وابن عباس في جانب، ومعاوية في جانب آخر، وفوق ذلك فعلي يحشر في الرواية حشراً، ويوصف بسيد الأوصياء!!
ومعاوية لا يسر فحسب بموت الحسن ويخفي ذلك في نفسه، بل يعلنه على الملأ، وتتلاقى تكبيرات أهل الخضراء وأهل المسجد مع تكبيراته، أذلك لانتصار المسلمين في معركة، أم تراه لهلاك طاغية؟! كلا وإنما فرحاً بموت سبط رسول الله؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!!
وبعد فهذه نماذج مختصرة أكتفي بإيرادها، وأقتصر بها عما سواها من نماذج، لأن هذه الدراسة لا تهدف إلى حصر الرواة الشيعة وليس القصد منها جمع المرويات الشيعية وإنما القصد الإبانة عن هذه النزعة وأثرها في الكتابة التاريخية، والتمثيل لها القدر الذي يكشف للقارئ وجودها وخطرها، ويهديه بعد إلى تتبع نظائرها، ورصد مثيلاتها، والتعرف على أصحابها، وأرجو أن تكون حلقة في سلسلة لدراسات أوسع، وبداية لبحوث أعمق في هذا الميدان، فليس ينقصنا في الدراسات التاريخية جمع النصوص والتأليف بينها. وإنما الذي نحتاج إليه كشف مخبئ النصوص ومعرفة من وراءها، وتتبع عورات بعض الرواة والكشف عن مناهجهم ونزعاتهم وأثر ذلك على مروياتهم، وهذا وذاك من الوسائل الناجعة لإعادة كتابة تاريخنا، وهو المنهج الأقوم والأسلوب الأمثل لرسم الصورة الحقيقية لحضارتنا وتاريخ أسلافنا.
والله من وراء القصد وصلى الله على نبينا محمد.
المصدر:نزعة التشيع وأثرها في الكتابة التاريخية لسليمان بن حمد العودة