للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

د- أما الصفات الاختيارية التي تقوم بالله تعالى كالنزول والمجيء والإتيان فيتأولها ولا يثبتها كما يليق لله وعظمته، وهذا بناء على نفي حلول الحوادث، يقول عن النزول: "ولا يجوز حمل ذلك على النزول والنقلة ... لما فيه من تفريغ مكان وشغل آخر، والقديم قد جل أن يكون موصوفا بشيء من ذلك، كذلك وقد حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الأنعام: ٧٦] "، واحتجاجه بهذه الآية هنا هو احتجاج جمهور الأشاعرة الذين يزعمون أن إبراهيم عليه السلام استدل بتغير وتحرك النجم على أنه لا يصلح أن يكون إلها، وبنوا على ذلك نفي حلول الحوادث بذات الله تعالى. ويقول أبو الحسن الطبري عن الإتيان والمجيء، "فإن قيل: فما تقول في قوله تعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل: ٢٦]، وفي قوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:] ٢ وفي قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ [البقرة: ٢١٠]، وفي قوله تعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل:٢٦]، وفي قوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر: ٢٢]، وفي قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ [البقرة: ٢١٠]، قيل له: إن الله سبحانه قد صح أنه لا يجوز وصفه بالإتيان والمجيء الذي بمعنى الانتقال والزوال، إذ كان ذلك من صفات الأجسام تعالى الله أن يكون جسما أو عرضا، وكلام العرب واسع له ظهر وبطن لاتباع العرب في المجازات وطرق الكلام. ومعنى البيان في قوله: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ [النحل: ٢٦]، الاستئصال في الهلاك والدمار بإرساك العذاب ... وأما قوله: وَجَاءَ رَبُّكَ، فمعناه جاء حكم ربك وأمر ربك، ألا ترى أن الخاص والعام يقول: ضرب الأمير زيدا، وإن كان الأمير لم يباشر زيدا بالضرب، بل كان ذلك بأمره وحكمه عليه، وقد قال الله تعالى في قصة لوط فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ [القمر: ٣٧]، وإن كان الطمس للأعين للملائكة بأمر الله، وأما قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ [البقرة:٢١٠]، فمعناه هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالحساب في ظلل من الغمام، يراد به بظلل من الغمام، وأن الفاء بمعنى الباء ... "، هذا هو مذهبه في تأويل هذه الصفات.

٤ - يثبت أبو الحسن الطبري الرؤية ويرد على المعتزلة المنكرين لها، لكن الملاحظ أنه أورد سؤالا حولها يتعلق بأنه يلزم من إثباتها المقابلة، فأجاب بما يدل على أنه يقول بأنه لا يلزم من الرؤية المقابلة، ومما قاله - وهو يرد على المعتزلة - "وقد زعمتم أن معنى ترون ربكم: تعلمون ربكم، ولم تلزموا أنفسكم أنكم تعلمونه مقابلا لكم".

٥ - هذه أقوال أحد تلامذة الأشعري، ممن جاء قبل الباقلاني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري، وهذه النصوص التي نقلت من كلام أبي الحسن الطبري تمثل مرحلة جاءت بين علمين مهمين من أعلام الأشاعرة.

المصدر:موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – ٢/ ٥١٦

الباقلاني: ت ٤٠٣ هـ.

حياته: هو الإمام القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر قاسم البصري، ثم البغدادي، ابن الباقلاني، لم يعرف تاريخ ولادته، كان من أهل البصرة، وسكن بغداد، وقد كانت وفاته سنة ٤٠٣ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>