٦ـ أما رأيه في القدر فهو لا يختلف عن رأي الأشاعرة فهو يثبت القدر من الله تعالى وأن الله خالق كل شيء، كما أنه يقول بالموافاة وأن الله رضي في الأزل عمن علم أنه يموت مؤمناً وإن عاش أكثر عمره كافراً، وسخط في الأزل عمن علم أنه يموت كافراً وإن كان أكثر عمره مؤمناً، وهذا بناء على أنه ينفي حلول الحوادث بذات الله تعالى، أما الاستطاعة والقدرة فلا تكون إلا مع الفعل، لكن الباقلاني خالف شيخه الأشعري بأن قال: إن قدرة العبد مؤثرة، يقول:"فإن قالوا: إن قلتم إن القادر منا على الفعل لا يقدر عليه إلا في حال حدوثه، ولا يقدر على تركه وفعل ضده، لزمكم أن يكون في حكم المطبوع المضطر إلى الفعل، قيل لهم: لا يجب ما قلتم لأنه ليس ها هنا مطبوع على كون شيء أو تولد عنه، أما المضطر إلى الشيء فهو المكره المحمول على الشيء الذي يوجد به، شاء أم أبى، والقدر على الفعل يؤثره ويهواه ولا يستنزل عنه برغبة ولا رهبة فلم يجز أن يكون مضطراً مع كونه مؤثراً مختاراً ... "، وهذا يوافق ما ذكره عنه الشهرستاني، كما أنه ينفي تعليل أفعال الله كقول الأشاعرة، ويقول بالكسب، كما أنه يقول بإنكار الضرورة بين العلة والمعلول، ويرى إنكار السببية، وربط الأمر كله بالله، فالإحراق لا يكون بالنار وإنما يقع عندها لا بها، وهذا مبدأ السببية الذي اشتهر إنكاره عند الأشاعرة.
٧ـ يثبت الرؤية بالنصوص الواردة، والله يرى لأنه موجود، ولكنه مع أنه يقول بالعلو والاستواء إلا أنه يلمح إلى أن الله تعالى يرى وليس حالاً في مكان أو مقابلاً أو خلفاً، أو عن يمين أو عن شمال، وهذه عبارات استخدمها نفاة العلو ممن يقول بالرؤية.
٨ ـ أما الإيمان فهو عنده التصديق بالله تعالى، وهو العلم. والتصديق يوجد بالقلب، ويستدل لذلك بإجماع أهل اللغة قاطبة، وبأن الإيمان قبل بعثة النبي هو التصديق، كما يستدل بقوله تعالى: وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [يوسف: ١٧] وبقولهم: فلان يؤمن بالشفاعة أي يصدق، ويرى أن "ما يوجد من اللسان وهو الإقرار، وما يوجد من الجوارح وهو العمل، فإنما ذلك عبارة في القلب ودليل عليه".
ولا ينكر الباقلاني أن يطلق القول على الإيمان بأنه عقد بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان، ويفسر ذلك بأن المقصود به الإيمان الذي ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة، كما أنه لا ينكر أن يطلق على الإيمان أنه يزيد وينقص على أن يرجع ذلك إما إلى القول والعمل دون التصديق، أو إلى الثواب والجزاء والمدح والثناء دون التصديق الذي إذا انخرم منه شيء بطل الإيمان.
٩ـ أما الإمامة فيذهب فيها إلى ما يذهب إليه السلف، وله في (التمهيد) بحوث طويلة في الدفاع عن الصحابة، وخاصة عثمان وعلياً رضي الله عنهما، كما أنه يثبت إمامة الخلفاء الأربعة على الترتيب، ويرد على الرافضة ودعاواهم الباطلة.
١٠ـ ومن الأمور التي ركز عليها الباقلاني مسألة المعجزات، والفرق بينها وبين الكرامات والسحر، وقد فصل رأيه في ذلك في كتابه المتعلق بهذا الموضوع.
ويمكن تلخيص رأيه فيها بما يلي:
أـ أن الدلالة على صدق الرسول لا تتم إلا بالمعجزة، "فمتى أهله الله لهذه المنزلة وأحلّه في هذه الرتبة وألزم الأمم العلم بنبوته والتصديق بخبره، لم يكن بد له من آية تظهر على يده ما يفصل بها المكلفون لصدقه بينه وبين الكاذب المتنبئ، وإلا لم يكن لهم إلا فعل العلم بما كلفوه من صدقه وتعظيمه، والقطع على ثبوت نبوته وطهارة سريرته سبيل ... وقد اتفق على أنه لا دليل يفصل بين الصادق والكاذب في إدعاء الرسالة إلا الآيات المعجزة "، ومعنى هذا إن الدلائل الأخرى العديدة للنبوات - غير المعجز الخارق للعادة - لا يثبت بها صدق الأنبياء.