للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب ـ والمعجز لا يكون معجزاً "حتى يكون مما ينفرد الله عز وجل بالقدرة عليه ولا يصح دخوله تحت قدر الخلق من الملائكة والبشر والجن، ولابد أن يكون ذلك من حقه وشرطه "، ويعرض الباقلاني للرأي الآخر لبعض أصحابه الأشاعرة وجمهور القدرية وهو جواز أن يكون المعجز مما ينفرد الله بالقدرة عليه، كما يجوز أن يكون مما يدخل جنسه تحت قدر العباد، ومثال الأول: اختراع الأجسام وإبداع الجوارح والأسماع والأبصار، ورفع العمى، والزمانة وغيرهما من العاهات والضرب الآخر: شيء يقع مثله وما هو من جنسه تحت قدرة العباد، غير أنه يقع من الله على وجه يتعذر على العباد مثله، وذلك نحو تفريق أجزاء الجبال الصم، ورفعها إلى السماء، وتغييض ماء البحار، وحنين الجذع، ونظم القرآن ... ، ويرى الباقلاني أن هذا القول ليس ببعيد، لكنه يقيد ذلك بأن يمنعوا وأن يرفع عنهم القدرة على فعل مثل ذلك الذي جاء به النبي، ويمثل لذلك بأن النبي لو قال: "آيتي وحجتي أنني أقوم من مكاني وأحرك يدي، وأنكم لا تستطيعون مثل ذلك، فإذا منعوا من فعل مثل ما فعله، كانت الآية له خرق العادة بخلق المنع لهم من القيام وتحريك الجوارح ورفع قدرهم على ذلك مع كونه معتاداً من أفعالهم".

جـ ـ أما شروط المعجزة عنده فهي:

١ـ أن تكون مما ينفرد الله بالقدرة عليه.

٢ـ أن يكون ذلك الذي يظهر على أيديهم خارقاً للعادة.

٣ـ أن يكون غير النبي (ممنوعاً من إظهار ذلك على يده).

٤ـ أن يقع عند تحدي النبي وادعائه النبوة وأن ذلك آية له.

د ـ ولكن كيف يفرق بين المعجزة وبين حيل المشعوذين وأصحاب الخوارق الشيطانية؟ يجيب الباقلاني بما أجاب به سابقاً، من أن معجزات الرسل لا يصح أن يقدر عليها إلا الله تعالى مثل إحياء الموتى واختراع الأجسام.

وكذلك بالنسبة لما يأتي به الساحر، ولكنه يقول: "إن الساحر إذا احتج بالسحر وادعى به النبوة أبطله الله تعالى عليه بوجهين: أحدهما: أنه إذا علم ذلك في حال الساحر وأنه سيدعي به النبوة أنساه عمل السحر جملة. والثاني: أن يجند خلق من السحرة يفعلون مثل فعله ويعارضونه بأدق مما أورده فينتقض بذلك ما ادعاه، أما الفرق بين المعجزة والكرامة فليس موجوداً في المطبوعة الناقصة من البيان، ولكن الباقلاني، ذكر ذلك في رسالته لأحد العلماء، وذكر فيها أن الفرق هو أن الأمر الخارق للنبي مقرون بالتحدي والاحتجاج، وأن صاحب الكرامة لا يدعي النبوة بكرامته ولو علم الله أنه يدعي بها النبوة لما أجراها على يديه".

دور الباقلاني في تطور المذهب الأشعري:

يعتبر الباقلاني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري؛ والباقلاني تلميذ لتلامذة الأشعري فهو قريب العهد به، وعلى الرغم من أن تلامذة الأشعري كانوا أقوياء وذوي تأثير واسع إلا أن أحداً منهم لم يبلغ ما وصل إليه الباقلاني، ولعل الفترة التي عاشها الأشعري وتلامذته كان السائد فيها المذهب الكلابي، فكان المذهبان متداخلين، والأشعري وغيره من معاصريه كانوا تلامذة لابن كلاب، وتلامذة هؤلاء لم يتميزوا كأشاعرة وإنما كانوا كلابية لأن تتلمذهم لم يكن مقتصراً على الأشعري، وإنما كان عليه وعلى غيره من الكلابية، وهذا حسب الأغلب فقط.

فلما جاء الباقلاني جرد نفسه لنصرة أبي الحسن الأشعري ومذهبه، والعمل على دعمه بأوجه جديدة من الحجاج والمناظرات، وقد تمثل ذلك بعد طرق أهمها:

١ـ أن الباقلاني ربط اسمه بالأشعري، فصار علماً عليه يذكر في نسبه فيقال: أبو بكر بن الطيب الباقلاني الأشعري، وهذا موجود في الكتب التي ترجمت له، وفي صور عناوين مخطوطات كتبه، ولحماسة في الانتساب إلى الأشعري ونصرة مذهبه عده الأشاعرة المجدد على رأس المئة الرابعة بعد الأشعري الذي يعتبرونه مجدد المئة الثالثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>