قلت: لا يبدو أي نوع من الربط بين آية الكرسي التي يتحدث فيها رب العزة عن نفسه، وبين الإمامة، غير أنني وجدت في الذريعة القول بأن في هذا التفسير دلالة على تشيع المؤلف، وقوة فهمه، وكثرة علمه، وأنه لا يبعد أن يكون من علماء الدولة الصفوية. ورأينا من قبل أن بعض هؤلاء رفع الأئمة لمرتبة الألوهية، كما أننا نعرف ما أصاب الإسلام على يد الدولة الصفوية الشيعية.
(٣٠) تفسير آية كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:١١٠]
لحسين بن دلدار علي.
قلت: مر من قبل تحريفهم لهذه الآية الكريمة، حيث ذكروا أنها نزلت هكذا " كنتم خير أئمة ... "، وجعلوها لأئمتهم.
هذه بعض كتب التفسير التي ذكرها صاحب (الذريعة) في الهمزة تحت كلمة " آيات "، وفي التاء تحت كلمتي " تأويل " و " تفسير ". ونجد غير هذه الكتب في مواضع أخرى، فمثلاً نراه يقول في (٤/ ٣١٨): (تفسير نور الأنوار ومصباح الأسرار)، و (نور التوفيق)، و (نور الثقلين)، كلها تأتي - أي تأتي في النون. ويقول في الجزء نفسه ص: (٢٦٨): (تفسير تنزيل الآيات الباهرة)، وكذا " التنزيل " متعددا، و " التنزيل في أمير المؤمنين "، و " التنزيل من القرآن "، و " التنزيل والتعبير "، يأتي الجميع بعنوان: " التنزيل ".
وقال في الجزء الثالث بعد الحديث عن " تأويل الآيات الباهرة في فضل العترة الطاهرة ":
قد ذكرنا في الجزء الأول آيات الأئمة، وآيات الفضائل، والآيات النازلة في فضائل العترة الطاهرة، وآيات الولاية، وغيرها. ويأتي في حرف الميم ما يقرب من عشرين كتاباً من تأليفات قدماء المحدثين، بعنوان (ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين) أو في أهل البيت، أو في الحجة، أو في الخمسة وغيرها، وكل واحد من هذه الكتب يصح أن يعد من كتب الحديث، لأنه دون فيه نوع خاص من الأحاديث، أي خصوص ما روي عنهم عليهم السلام في بيان الآيات التي نزلت في فضائل أهل البيت عليهم السلام ومناقبهم، ويصح أن يعد من كتب التفسير: لأنه يذكر فيه تفسير تلك الآيات وتأويلها، وشرحها، وبيان المراد منها، ولا سيما مع ترتيب تلك الآيات في أكثر هذه الكتب على ترتيب سور القرآن, من سورة فاتحة الكتاب إلى سورة الناس كما هو الترتيب في كتب التفاسير. والداعي إلى إفراد القدماء والمتأخرين هذا النوع من الأحاديث واستقلالها بالتأليف هو تخصيص النصف أو الثلث أو الربع من الآيات الشريفة التي وردت أخبار كثيرة على اختلافها في التعبير بأنها نزلت في أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ومواليهم وأعدائهم، وقد أورد الفيض بعضها بالمقدمة الثالثة في أول الصافي، وذكر وجه عدم التنافي بينها، ودون كل منهم ما وصل إليه من هذا النوع من الحديث ليعرف الناس تفاصيلها.
قلت: سبق الحديث عن كتاب (الصافي) وبيان ما وصل إليه من ضلال وتضليل. وما يقوله صاحب (الذريعة) هنا يؤكد ما قلته عن صاحب (تفسير الصافي) وأمثاله من غلاة الشيعة الاثني عشرية. ومن يقرأ الذريعة يلحق مؤلفها بهؤلاء الغلاة الضالين، وقوله آنفاً خير شاهد.
وبعد كل ما سبق أعتقد أن معالم التفسير الشيعي الاثني عشري قد اتضحت إلى حد كبير، فدراستنا لستة عشر كتاباً من القرن الثالث إلى العصر الحديث بينت اتجاهات التفسير خلال هذه القرون. ونظرتنا إلى ثلاثين كتاباً مما جاء في كتاب (الذريعة)، جعلت الصورة أكثر وضوحاً، وهذه الكتب منها ما كان في النصف الأول من القرن الثاني، وهو (تفسير أبي الجارود)، ومنها ما هو في العصر الحديث. وتفسير أبي الجارود الذي نقله القمي يشير إلى أن حركة التشكيك والتضليل بدأت مع بداية عصر التدوين، والتفاسير الحديثة الكثيرة تشير إلى استمرار هذه الحركة الضالة، وعدم توقفها.
وإلى جانب الثلاثين كتاباً، ذكرت إشارة صاحب (الذريعة) لعشرين كتاباً في موضع واحد، وتعليقه على ما جاء بها، وهذا يدل على ضخامة هذه الحركة الضالة، وربما يعطي السمة الغالبة للتفسير الشيعي، نسأل الله تعالى الهداية والرشاد.
المصدر:مع الشيعة الاثني عشرية في الأصول والفروع لعلي السالوس - ص٥٩٤