ولقد أورد هذه الرواية ابن أبي الحديد أن الفاروق لما طعن، وطعنه أبو لؤلؤة المجوسي الفارسي دخل عليه ابنا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم فيقول ابن عباس: فسمعنا صوت أم كلثوم (بنت علي رضي الله عنه) واعمراه، وكان معها نسوة يبكين فارتج البيت بكاء، فقال عمر: ويل أم عمر إن الله لم يغفر لهم، فقلت: والله! إني لأرجو أن لا تراها إلا مقدار ما قال الله تعالى: وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم: ٧١] , إن كنت ما علمنا لأمير المؤمنين وسيد المسلمين تقضي بالكتاب وتقسم بالسوية، فأعجبه قولي، فاستوى جالساً فقال: أتشهد لي بهذا يا ابن عباس؟ فكعكعت أي جبنت، فضرب عليّ عليه السلام بين كتفي وقال: اشهد، وفي رواية لم تجزع يا أمير المؤمنين؟ فوالله لقد كان إسلامك عزاً، وإمارتك فخراً، ولقد ملأت الأرض عدلاً، فقال: أتشهد لي بذلك يا ابن عباس! قال: فكأنه كره الشهادة فتوقف، فقال له علي عليه السلام: قل: نعم، وأنا معك، فقال: نعم" (ابن أبي الحديد) (٣/ ١٤٦) ومثل هذا في "كتاب (الآثار) (ص٢٠٧) (سيرة عمر) لابن الجوزي (ص١٩٣) ط مصر).
وأكثر من هذا أن علياً - وهو الإمام المعصوم الأول عند القوم - كان يؤمن بأنه من أهل الجنة لما سمعه من لسان خيرة خلق الله محمد المصطفى الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، ولأجل ذلك كان يتمنى بأن يلقى الله بالأعمال التي عملها الفاروق عمر رضي الله عنه في حياته، كما رواه كل من السيد مرتضى وأبو جعفر الطوسي وابن بابويه وابن أبي الحديد.
لما غسل عمر وكفن دخل علي عليه السلام فقال: صلى الله عليه وآله وسلم ما على الأرض أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجي (أي المكفون) بين أظهركم" كتاب (الشافي) لعلم الهدى (ص١٧١) و (تلخيص الشافي) للطوسي (٢/ ٤٢٨) ط إيران، و (معاني الأخبار) للصدوق (ص١١٧) ط إيران).
ووردت هذه الرواية في كتب السنة بتمامها في (المستدرك) للحاكم (٣/ ٩٣) مع (التلخيص) للذهبي و (مسند أحمد) (مسندات علي) (وطبقات ابن سعد) (أحوال عمر) (٣/ ٢٦٩، ٢٧٠) ط ليدن) ومثله ورد في البخاري ومسلم.
وأما ابن أبي الحديد فيذكر "طعن أمير المؤمنين فانصرف الناس وهو في دمه مسجى لم يصل الفجر بعد، فقيل: يا أمير المؤمنين! الصلاة، فرفع رأسه وقال: لاها الله إذن، لا حظ لامرئ في الإسلام ضيع صلاته، ثم وثب ليقوم فانبعث جرحه دماً فقال: هاتوا لي عمامة، فعصب جرحه، ثم صلى وذكر، ثم التفت إلى ابنه عبد الله وقال: ضع خدي إلى الأرض يا عبد الله! قال عبد الله: فلم أعج بها وظننت أنها اختلاس من عقله، فقالها مرة أخرى: ضع خدّي إلى الأرض يا بني، فلم أفعل، فقال الثالثة: ضع خدّي إلى الأرض لا أم لك، فعرفت أنه مجتمع العقل، ولم يمنعه أن يضعه هو إلا ما به من الغلبة، فوضعت خدّه إلى الأرض حتى نظرت إلى أطراف شعر لحيته خارجة من أضعاف التراب وبكى حتى نظرت إلى الطين قد لصق بعينه، فأصغيت أذني لأسمع ما يقول فسمعته يقول: يا ويل عمر وويل أم عمر إن لم يتجاوز الله عنه، وقد جاء في رواية أن علياً عليه السلام جاء حتى وقف عليه فقال: ما أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى" (شرح النهج) لابن أبي الحديد (٣/ ١٤٧).
فهل بعد ذلك مجال لقائل أن يقول بأن علياً وهو سيد أهل البيت لم يكن يعدّ عمر رجلاً من أهل الجنة؟ فمن من الناس يرجى أن يكون عمله وصحيفته كصحيفته وعمله؟.
فهل هناك أكثر من ذلك؟ نعم! هناك أكثر وأكثر، فلقد شهد علي رضي الله عنه: "إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر" كتاب (الشافي) (٢/ ٤٢٨).
وقال فيه وفي أبي بكر في رسالته: إنهما إماما الهدى، وشيخا الإسلام، والمقتدى بهما بعد رسول الله، ومن اقتدى بهما عصم" (تلخيص الشافي) للطوسي (٢/ ٤٢٨).وأيضا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن أبا بكر مني بمنزلة السمع، وإن عمر مني بمنزلة البصر)). (١)
(عيون أخبار الرضا) لابن بابويه القمي (١ ص٣١٣) أيضاً (معاني الأخبار) للقمي (ص١١٠) أيضاً (تفسير الحسن العسكري).
والجدير بالذكر أن هذه الرواية رواها عليّ عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد رواها عن علي ابنه الحسن رضي الله عنهما.
المصدر:الشيعة وأهل البيت لإحسان إلهي ظهير - ص٩٢
(١) لم يرد بهذا اللفظ، وورد بلفظ (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أبا بكر وعمر فقال هذان السمع والبصر) رواه الترمذي (٣٦٧١) وقال حديث مرسل، وأخرجه الحاكم (٣/ ٧٣) (٤٤٣٢) وقال صحيح الإسناد وقال الذهبي حسن، وأورده الألباني في ((الصحيحة)) (٨١٥) وللحديث ألفاظ أخرى غير هذا بعضها متكلم فيه.